" صفحة رقم ٦١٨ "
وصيغة ) اللَّه الصمد ( صيغة قصر بسبب تعريف المسند فتفيد قصر صفة الصمدية على الله تعالى، وهو قصر قلب لإِبطال ما تعوّده أهل الشرك في الجاهلية من دعائهم أصنامهم في حوائجهم والفزع إليها في نوائبهم حتى نَسُوا الله. قال أبو سفيان ليلة فتح مكة وهو بين يدي النبي ( ﷺ ) وقال له النبي ( ﷺ ) أما آن لك أن تشهد أن لا إلاه إلا الله :( لقد علمتُ أن لو كان معه إلاه آخر لقد أغنى عني شيئاً ).
جملة :( لم يلد ( خبر ثاننٍ عن اسم الجلالة من قوله :( اللَّه الصمد (، أو حال من المبتدأ أو بدل اشتمال من جملة ) اللَّه الصمد (، لأن من يصمد إليه لا يكون من حاله أن يلد لأن طلب الولد لقصد الاستعانة به في إقامة شؤون الوالد وتدارك عجزه، ولذلك استدل على إبطال قولهم :( اتخذ اللَّه ولداً ( بإثبات أنه الغنيّ في قوله تعالى :( قالوا اتخذ اللَّه ولداً سبحانه هو الغني له ما في السماوات الأرض ( ( يونس : ٦٨ ) فبعدَ أن أبطلت الآية الأولى من هذه السورة تعدد الإِلاه بالأصالة والاستقلال، أبطلت هذه الآية تعدد الإِلاه بطريق تولد إلاه عن إلاه، لأن المتولِّد مساوٍ لما تولَّد عنه.
والتعدُّد بالتولد مساوٍ في الاستحالة لتعدد الإِلاه بالأصالة لتساوي ما يلزم على التعدد في كليهما من فساد الأكوان المشار إليه بقوله تعالى :( لو كان فيهما آلهة إلا اللَّه لفسدتا ( ( الأنبياء : ٢٢ ) ( وهو برهان التمانع ) ولأنه لو تولد عن الله موجود آخر للزم انفصال جزء عن الله تعالى وذلك مناف للأحدية كما علمت آنفاً وبَطل اعتقاد المشركين من العرب أن الملائكة بنات الله تعالى فعبدوا الملائكة لذلك، لأن البنوّة للإِلاه تقتضي إلاهية الابن قال تعالى :( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون ( ( الأنبياء : ٢٦ ).
وجملة ) لم يولد ( عطف على جملة ) لم يلد (، أي ولم يلده غيره، وهي بمنزلة الاحتراس سدّاً لتجويز أن يكون له والِد، فأردف نفي الولد بنفي الوالد. وإنما قدم نفي الولد لأنه أهم إذ قد نَسب أهل الضلالة الولَد إلى الله تعالى ولم ينسبوا


الصفحة التالية
Icon