" صفحة رقم ٦٦ "
موعظة. والمقصود منه لازمه وهو وقوع البعث لأن القلوب لا تكون إلا في أجسام. وقد علم أن المراد ب ) يوم ترجف الراجفة ( هو يوم القيامة لأنه قد عُرِّف بمثل هذه الأحوال في آيات كثيرة مما سبق نزوله مثل قوله :( إذا رجت الأرض ( فكان في هذا الجواب تهويل ليوم البعث وفي طيه تحقيق وقوعه فحصل إيجاز في الكلام جامع بين الإِنذار بوقوعه والتحذير مما يجري فيه.
و ) يوم ترجف الراجفة ( ظرف متعلق ب ) واجفة ( فآل إلى أن المقسم عليه المراد تحقيقه هو وقوع البعث بأسلوب أوقع في نفوس السامعين المنكرين من أسلوب التصريح بجواب القسم، إذ دل على المقسم عليه بعض أحواله التي هي من أهواله فكان في جواب القسم إنذار.
ولم تقرن جملة الجواب بلام جواب القسم لبعد ما بين الجواب وبين القسم بطول جملة القسم، فيظهر لي من استعمال البلغاء أنه إذا بعد ما بين القسم وبين الجواب لا يأتون بلام القسم في الجواب، ومن ذلك قوله تعالى :( والسماء ذات البروج ( إلى ) قتل أصحاب الأخدود ( ( البروج : ١ ٤ ). ومثله كثير في القرآن فلا يؤتى بلام القسم في جوابه إلا إذا كان الجواب موالياً لجملة القسم نحو ) وتالله لأكيدن أصنامكم ( ( الأنبياء : ٥٧ ) ) فوربك لنسألنهم أجمعين ( ( الحجر : ٩٢ )، ولأن جواب القسم إذا كان جملة اسمية لم يكثر اقترانه بلام الجواب ولم أر التصريح بجوازه ولا بمنعه، وإن كان صاحب ( المغني ) استظهر في مبحث لام الجواب في قوله تعالى :( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند اللَّه خير ( ( البقرة : ١٠٣ ) أن اللام لام جواب قسم محذوف وليست لام جواب ( لو ) بدليل كون الجملة اسمية، والاسمية قليلة من جواب ( لو ) فلم يرَ جملة الجواب إذا كانت اسمية أن تقترن باللام. وجعل صاحب ( الكشاف ) تبعاً للفراء وغيره جواب القسم محذوفاً تقديره : لتُبعثُنَّ.
وقُدم الظرف على متعلقة لأن ذلك الظرف هو الأهمّ في جواب القَسَم لأنه المقصود إثبات وقوعه، فتقديم الظرف للاهتمام به والعناية به فإنه لما أكد الكلام بالقسم شمل التأكيدُ متعلقات الخبر التي منها ذلك الظرف، والتأكيد اهتمام، ثم أكد ذلك الظرف في الأثناء بقوله :( يومئذ ( الذي هو يوم ترجف الراجفة فحصلت عناية عظيمة بهذا الخبر.


الصفحة التالية
Icon