" صفحة رقم ٧ "
ولفظ ) عم ( مركب من كلمتين هما حرف ( عن ) الجار و ( مَا ) التي هي اسم استفهام بمعنى : أيّ شيء، ويتَعلق ) عم ( بفعل ) يتساءلون ( فهذا مركب. وأصل ترتيبه : يتسَآءلون عَنْ ما، فقدم اسم الاستفهام لأنه لا يقع إلا في صدر الكلام المستفهم به، وإذ قد كان اسم الاستفهام مقترناً بحرف الجر الذي تعدى به الفعل إلى اسم الاستفهام وكان الحرف لا ينفصل عن مجروره قُدِّما معاً فصار ) عَمَّا يتساءلون ).
وقد جرى الاستعمال الفصيح على أن ( ما ) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر يحذف الألف المختومة هي به تفرقةً بينها وبين ( مَا ) الموصولة.
وعلى ذلك جرى استعمال نُطقهم، فلما كتبوا المصاحف جروا على تلك التفرقة في النطق فكتبوا ( ما ) الاستفهامية بدون ألف حيثما وقعت مثل قوله تعالى :( فيم أنت من ذكراها ( ( النازعات : ٤٣ ) ) فبم تبشرون ( ( الحجر : ٥٤ ) ) لم أذنت لهم ( ( التوبة : ٤٣ ) ) عم يتساءلون ( ) مم خلق ( ( الطارق : ٥ ) فلذلك لم يقرأها أحد بإثبات الألف إلا في الشاذّ.
ولما بقيت كلمة ( ما ) بعد حذف ألفها على حرف واحد جَرَوْا في رسم المصحف على أن ميمها الباقية تكتب متصلة بحرف ( عن ) لأن ( مَا ) لما حذف ألفها بقيت على حرف واحد فأشبه حروف التهجّي، فلما كان حرف الجر الذي قبل ( ما ) مختوماً بنون والتقتتِ النون مع ميم ( مَا )، والعرب ينطقون بالنون الساكنة التي بعدها ميم ميماً ويدغمونها فيها، فلما حذفت النون في النطق جرى رسمهم على كتابة الكلمة محذوفة النون تبعاً للنطق، ونظيره قوله تعالى :( مِمَّ خلق ( وهو اصطلاح حسن.
والتساؤل : تفاعل وحقيقة صيغة التفاعل تفيد صدور معنى المادة المشتقة منها من الفاعل إلى المفعول وصدور مثله من المفعول إلى الفاعل، وتَرد كثيراً لإفادة تكرر وقوع ما اشتقت منه نحو قولهم : سَاءَلَ، بمعنى : سأل، قال النابغة :
أُسائل عن سُعدَى وقد مرَّ بعدنا
على عَرصات الدار سبع كوامل
وقال رويشد بن كثير الطائي :
يَا أيُّها الراكب المزجي مطيته
سَائِلْ بني أسد ما هذه الصوت