" صفحة رقم ٧٦ "
وقوله :( هل لك ( تركيب جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا التركيب لأنه قصد به الإِيجاز يقال : هل لك إلى كذا ؟ وهل لك في كذا ؟ وهو كلام يقصد منه العرض بقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل ؟ ومنه قول كعب :
ألا بلّغا عني بجيراً رسالة
فهل لك فيما قُلْت ويْحَكَ هَلْ لَكَا
بضم تاء ( قلتُ ). وقول بجير أخيه في جوابه عن أبياته :
مَن مبلغٌ كعباً فهل لك في التي
تَلومُ عليها باطلاً وهي أحزم
و ) لك ( خبر مبتدأ محذوف تقديره : هل لك رغبة في كذا ؟ فحُذف ( رغبة ) واكتفي بدلالة حرف ( في ) عليه، وقالوا : هل لك إلى كذا ؟ على تقدير : هل لك مَيل ؟ فحذف ( مَيل ) لدلالة ( إلى ) عليه.
قال الطيبي :( قال ابن جني : متى كان فعل من الأفعال في معنى فعل آخر فكثيراً ما يُجرَى أحدهما مُجرى صاحبه فيعوَّل به في الاستعمال إليه ( كذا ) ويحتذى به في تصرفه حذو صاحبه وإن كان طريقُ الاستعمال والعرف ضده مأخذه، ألا ترى إلى قوله تعالى :( هل لك إلى أن تزكى ( وأنت إنما تقول : هل لك في كذا ؟ لكنه لما دخله معنى : آخُذُ بك إلى كذا أو أدعوك إليه، قال :( هل لك إلى أن تزكى ). وقولُه تعالى :( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ( ( البقرة : ١٨٧ ) لا يقال : رفثت إلى المرأة، إنما يقال : رفثتت بها، ومعها، لكن لما كان الرفث في معنى الإِفضاء عدّي ب ( إلى ) وهذا من أسَدّ مذاهب العربية، لأنه موضع يملك فيه المعنى عِنان الكلام فيأخذه إليه ) ا هـ. قيل : ليس هذا من باب التضمين بل من باب المجاز والقرينة الجارة.
و ) تزكى ( قرأه نافع وابن كثير وأبو جعفر ويعقوب بتشديد الزاي على اعتبار أن أصله : تتزكى، بتاءين، فقلبت التاء المجاورة للزاي زاياً لتقارب مخرجيهما وأدغمت في الزاي. وقرأه الباقون بتخفيف الزاي على أنه حدفت إحدى التاءين اقتصاراً للتخفيف.
وفعل ) تزكى ( على القراءتين أصله : تتزكى بتاءين مضارع تزكّى مطاوع زكاه، أي جعله زكياً.


الصفحة التالية
Icon