" صفحة رقم ٧٩ "
والمراد بعصيانه عصيان أمر الله أن يوحده أو أن يُطلق بني إسرائيل من استعبادهم وتسخيرهم للخدمة في بلاده.
وعطف ) ثم أدبر يسعى ( ب ) ثم ( للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجُمل، فأفادت ) ثم ( أن مضمون الجملة المعطوفة بها أعلى رتبة في الغرض الذي تضمنته الجملة قبلها، أي أنه ارتقى من التكذيب والعصيان إلى ما هو أشد وهو الإِدبار والسعي وادعاء الإِلاهية لنفسه، أي بعد أن فكّر ملياً لم يقتنع بالتكذيب والعصيان فخشي أنه إن سكت ربما تروج دعوة موسى بين الناس فأراد الحيطة لدفعها وتحذيرَ الناس منها.
والإِدبار والسعي مستعملان في معنييهما المجازيين فإن حقيقة الإِدبار هو المشي إلى الجهة التي هي خَلْف الماشي بأن يكون متوجهاً إلى جهة ثم يتوجه إلى جهة تعاكسها. وهو هنا مستعار للإِعراض عن دعوة الداعي مثل قول النبي ( ﷺ ) لمسيلمة لما أبى الإِيمان :( ولئن أدبرتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّه ).
وأما السعي فحقيقته : شدة المشي، وهو هنا مستعار للحرص والاجتهاد في أمره الناسَ بعدم الإِصغاء لكلام موسى، وجمع السحرة لمعارضة معجزته إذ حسبها سحراً كما قال تعالى :( فتولى فرعون فجمع كيده ( ( طه : ٦٠ ).
والعمل الذي يسعى إليه يبينه قوله تعالى :( فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى ( فثلاثتها مرتبة على ) يسعى ).
فجملة ) فحشر ( عطف على جملة ) يسعى ( لأن فرعون بذل حرصه ليقنع رعيته بأنه الربُّ الأعلى خشية شيوع دعوة موسى لعبادة الرب الحق.
ويجوز أن يكون ) أدبر ( على حقيقته، أي ترك ذلك المجمع بأن قام معرضاً إعلاناً بغضبه على موسى ويكون ) يسعى ( مستعملاً في حقيقته أيضاً، أي قام يشتدّ في مشيه وهي مشية الغاضب المعرض.
والحشر : جمع الناس، وهذا الحشر هو المبيّن في قوله تعالى :( قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم ( ( الشعراء : ٣٦، ٣٧ ).


الصفحة التالية
Icon