" صفحة رقم ٢٦٣ "
هذه فريضة الميراث الذي سببه العصمة، وقد أعطاها الله حقّها المهجور عند الجاهلية إذ كانوا لا يورّثون الزوجين : أمّا الرجل فلا يرث امرأته لأنّها إن لم يكن لها أولاد منه، فهو قد صار بموتها بمنزلة الأجنبي عن قرابتها من آباء وإخوة وأعمام، وإن كان لها أولاد كان أولادها أحقّ بميراثها إن كانوا كباراً، فإن كانوا صغاراً قبض أقرباؤهم مالهم وتصرّفوا فيه، وأمّا المرأة فلا ترث زوجها بل كانت تعدّ موروثة عنه يتصرّف فيها ورثته كما سيجيء في قوله :( يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( ( النساء : ١٩ ). فنوّه الله في هذه الآيات بصلة العصمة، وهي التي وصفها بالميثاق الغليظ في قوله :( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ( ( النساء : ٢١ ).
والجمع في ) أزواجكم ( وفي قوله :( مما تركتم ( كالجمع في الأولاد والآباء، مراد به تعدّد أفراد الوارثين من الأمّة، وههنا قد اتّفقت الأمّة عى أنّ الرجل إذا كانت له زوجات أنهنّ يشتركن في الربع أو في الثمن من غير زيادة لهنّ، لأنّ تعدّد الزوجات بيد صاحب المال فكان تعددّهنّ وسيلة لإدخال المضرّة على الورثة الآخرين بخلاف تعدّد البنات والأخوات فإنّه لا خيار فيه لربّ المال. والمعنى : ولكلّ واحد منكم نصف ما تركت كلّ زوجة من أزواجه وكذلك قوله :( فلكم الربع مما تركن ).
وقوله :( ولهن الربع مما تركتم ( أي لمجموعهنّ الربع ممّا ترك زوجهنّ. وكذلك قوله :( فلهن الثمن مما تركتم ( وهذا حذق يدلّ عليه إيجاز الكلام.
وأعقبت فريضة الأزواج بذكر ) من بعد وصية يوصين بها أو دين ( لئلا يتوهّم متوهّم أنّهنّ ممنوعات من الإيصاء ومن التداين كما كان الحال في زمان الجاهلية. وأمّا ذكر تلك الجملة عقب ذكر ميراث النساء من رجالهنّ فجريا على الأسلوب المتّبع في هذه الآيات، وهو أن يعقب كلّ صنف من الفرائض بالتنبيه على أنّه لا يُستحقّ إلاّ بعد إخراج الوصيّة وقضاء الدين.


الصفحة التالية
Icon