" صفحة رقم ٢٧١ "
والمراد بالبيوت البيوت التي يعيّنها ولاة الأمور لذلك. وليس المراد إمساكهن في بيوتهنّ بل يُخرجن من بيوتهنّ إلى بيوت أخرى إلاّ إذا حُوّلت بيت المسجونة إلى الوضع تحت نظر القاضي وحراسته، وقد دلّ على هذا المعنى قوله تعالى في آية سورة الطلاق عند ذكر العدّةِ ) لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( ( الطلاق : ١ ).
ومعنى ) يتوفاهن الموت ( يتقاضاهن. يقال : تَوَفَّى فلان حقَّه من فلان واستوفاه حقّه. والعرب تتخيّل العمر مجزّءاً. فالأيام والزمانُ والموتُ يستخلصه من صاحبه منجَّما إلى أن تتوفّاه. قال طرفة :
أرى العمر كَنزا ناقصا كلّ ليلة
وما تَنْقُصْ الأيامُ والدهرُ ينفَدِ
وقال أبو حيّة النميري :
إذا ما تقاضى المرءَ يومٌ وليلة
تَقاضاه شيء لا يَمَلُّ التقاضيا
ولذلك يقولون تُوفيِّ فلان بالبناء للمجهول أي توفَّى عُمُرَهُ فجعل الله الموت هو المتقاضي لأعمار الناس على استعمالهم في التعبير، وإن كان الموت هو أثَرُ آخر أنفاس المرء، فالتوفيّ في هذه الآية وارِد على أصل معناه الحقيقي في اللغة.
ومعنى ) أو يجعل الله لهن سبيلاً ( أي حكماً آخر. فالسبيل مستعار للأمر البيّن بمعنى العقاب المناسب تشبيها له بالطريق الجادّة. وفي هذا إشارة إلى أنّ إمساكهنّ في البيوت زجر موقّت سيعقبه حكم شاف لما يَجده الناس في نفوسهم من السخط عليهنّ ممّا فَعَلْنَ.
ويشمل قوله :( والّاتي يأتين الفاحشة ( جميع النساء اللائي يأتين الفاحشة من محصنات وغيرهنّ.
وأمّا قوله ) والذان يأتيانها ( فهو مقتض نوعين من الذكور فإنّه تثنية الذي وهو اسم موصول للمذكّر، وقد قوبل به اسمُ موصول النساء الذي في قوله :( والّاتي يأتين الفاحشة ( ولا شكّ أنّ المراد ب ) اللذان ( صنفان من الرجال : وهما صنف