" صفحة رقم ١٠١ "
ويجوز أن يجعل ( اليومَ ) بمعنى الآن، أي زمان الحال، الصادق بطائفة من الزمان، رَسخ اليأس، في خلالها، في قلوب أهل الشرك بعد أن خامر نفوسهم التردّد في ذلك، فإنّ العرب يطلقون ( اليوم ) على زمن الحال، ( والأمس ) على الماضي، و ( الغَد ) على المستقبل. قال زهير :
وأعْلَمُ عِلم اليوممِ والأمسسِ قبلَه
ولكِنَّنِي عن عِلممِ مَا في غد عَمِي
يريد باليوم زمان الحال، وبالأمس ما مضى، وَبالغد ما يستقبل، ومنه قول زياد الأعجم :
رأيتُك أمسسِ خيرَ بني مَعَدّ
وأنتَ اليوم خيرُ منكَ أمسِ
وأنت غَدا تزيد الخير خيراً
كذاكَ تزيد سادةُ عبدِ شمس
وفعل ) يئس ( يتعدّى ب ( مِن ) إلى الشيء الذي كان مرجوّاً من قبلُ، وذلك هو القرينة على أنّ دخول ( من ) التي هي لتعدية ) يئس ( على قوله ) دينِكم (، إنّما هو بتقدير مضاف، أي يئسوا من أمر دينكم، يعني الإسلام، ومعلوم أنّ الأمر الذي كانوا يطمعون في حصوله : هو فتور انتشار الدين وارتداد متّبعيه عنه.
وتفريع النهي عن خشية المشركين في قوله :( فلا تَخشَوْهم ( على الإخبار عن يأسهم من أذى الدين : لأنّ يأس العدوّ من نوال عدوّه يزيل بأسه، ويذهب حماسه، ويقعده عن طلب عدوّه. وفي الحديث :( ونُصِرْتُ بالرّعْب ). فلمَّا أخبر عن يأسهم طمّن المسلمين من بأس عدوّهم، فقال :( فلا تخشوهم واخشون ( أو لأنّ اليأس لمَّا كان حاصلاً من آثار انتصارات المسلمين، يوماً فيوماً، وذلك من تأييد الله لهم، ذكَّر الله المسلمين بذلك بقوله :( اليومَ يئس الذين كفروا من دينكم (، وإنّ فريقاً لم يغن عنهم بأسهم من الله شيئاً لأحرياء بأن لا يُخشى بأسهم، وأن يُخشى مَن خَذَلهم ومكّن أولياءه منهم.