" صفحة رقم ١١١ "
بيان المحرّمات سابقاً على السؤال، وعلى الوجه الثاني قد قصد الاهتمام ببيان الحلال بوجه جامع، فعنون الاهتمام به بإيراده بصيغة السؤال المناسب لتقدّم ذكره.
و ) الطيّبات ( صفة لمحذوف معلوم من السياق، أي الأطعمة الطيّبة، وهي الموصوفة بالطيِّب، أي التي طابت. وأصل معنى الطيب معنى الطّهارة والزكاء والوقع الحسن في النفس عاجلاً وآجلاً، فالشيء المستلذّ إذا كان وخِماً لا يسمّى طيِّباً : لأنّه يعقب ألماً أو ضُرّاً، ولذلك كان طيّب كلّ شيء أن يكون من أحسن نوعه وأنفعه. وقد أطلق الطيِّب على المباح شرعاً ؛ لأنّ إباحة الشرع الشيء علامة على حسنه وسلامته من المضرّة، قال تعالى :( كلوا ممَّا في الأرض حلالاً طيّباً ( ( البقرة : ١٦٨ ). والمراد بالطيّبات في قوله :( أحل لكم الطيبات ( معناها اللغوي ليصحّ إسناد فعل ) أحِلّ ( إليها. وقد تقدّم شيء من معنى الطيّب عند قوله تعالى :( يأيّها الناس كلوا ممّا في الأرض حلالاً طيّباً في سورة البقرة ( ١٦٨ )، ويجيء شيء منه عند قوله تعالى : والبلد الطيّب في سورة الأعراف ( ٥٨ ).
والطيّبات ( وصف للأطعمة قُرِن به حكم التحليل، فدلّ على أنّ الطِّيبَ علّة التحليل، وأفاد أنّ الحرام ضدّه وهو الخبائث، كما قال في آية الأعراف، في ذكر الرسول ( ﷺ ) ) ويحلّ لهم الطيّباتتِ ويحرّم عليهم الخبائث ( ( الأعراف : ١٥٧ ).
وقد اختلفت أقوال السلف في ضبط وصف الطيّبات ؛ فعن مالك : الطيّبات الحلال، ويتعيّن أن يكون مراده أنّ الحلّ هو المؤذن بتحقّق وصف الطيِّب في الطعام المباح، لأنّ الوصف الطيّب قد يخفى، فأخذ مالك بعلامته وهي الحلّ كيلا يكون قوله :( الطيّبات ( حوالة على ما لا ينضبط بين الناس مثل الاستلذاذ، فيتَعيّن، إذن، أن يكون قوله :( أحل لكم الطيبات ( غيْر مراد منه ضبط الحلال، بل أريد به الامتنان


الصفحة التالية
Icon