" صفحة رقم ١١٦ "
وحرف ( من ) في قوله ) ممّا أمسكن عليكم ( للتبعيض، وهذا تبعيض شائع الاستعمال في كلام العرب عند ذكر المتناوَلات، كقوله :( كلوا من ثمره ). وليس المقصود النهي عن أكل جميع ما يصيده الصائد، ولا أنّ ذلك احتراس عن أكل الريش، والعظم، والجلد، والقرون ؛ لأنّ ذلك كلّه لا يتوهّمه السامع حتّى يحترس منه.
وحرف ( على ) في قوله ) ممّا أمسكن عليكم ( بمعنى لام التعليل، كما تقول : سجن على الاعتداء، وضُرب الصبيّ على الكذب، وقول علقمة بن شيبان :
ونُطاعن الأعداءَ عن أبنائنا
وعَلَى بصائرنا وإن لم نُبْصِر
أي نطاعن على حقائقنا : أي لحماية الحقيقة، ومن هذا الباب قوله تعالى :( أمسك عليك زوجك ( ( الأحزاب : ٣٧ )، وقوله ( ﷺ ) ) أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ).
ومعنى الآية إباحة أكل ما صاده الجوارح : من كلاب، وفهود، وسباع طير : كالبزاة، والصقور، إذا كانت معلّمة وأمسكت بعد إرسال الصائد. وهذا مقدار اتّفق علماء الأمّة عليه وإنَّما اختلفُوا في تحقّق هذه القيود.
فأمَّا شرط التعليم فاتّفقوا على أنّه إذا أُشلي، فانْشلى، فاشتدّ وراء الصيد، وإذا دُعي فأقبل، وإذا زجر فانزجر، وإذا جاء بالصيد إلى ربّه، أنّ هذا معلّم. وهذا على مراتب التعلّم. ويكتفي في سباع الطير بما دون ذلك : فيكتفي فيها بأن تؤمر فتطيع. وصفاتُ التعليم راجعة إلى عرف أهل الصيد، وأنَّه صار له معرفة، وبذلك قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي : ولا حاجة إلى ضبط ذلك بمرّتيْن أو ثلاث، خلافاً لأحمد، وأبي يوسف، ومحمد.


الصفحة التالية
Icon