" صفحة رقم ١٢٩ "
الله عليه وسلم خاصّاً به غير داخل في هذه الآية، وأنّه نسخ وجوبه عليه يوم فتح مكّة ؛ ومنهم من حمله على أنّ النّبيء ( ﷺ ) كان يلتزم ذلك وحملوا ما كان يفعله الخلفاء الراشدون وابن عمر من الوضوء لفضل إعادة الوضوء لِكلّ صلاة. وهو الّذي لا ينبغي القول بغيره. والّذين فسّروا القيام بمعنى القيام من النّوم أرادوا تمهيد طريق التأويل بأن يكون الأمر قد نيط بوجود موجب الوضوء. وإنّي لأعجب من هذه الطرق في التأويل مع استغناء الآية عنها ؛ لأنّ تأويلها فيها بيّن لأنّها افتتحت بشرط، هو القيام إلى الصّلاة، فعلمنا أنّ الوضوء شرط في الصّلاة على الجملة ثمّ بيّن هذا الإجمال بقوله :( وإنْ كنتم مرضى إلى قوله أو جاء أحد منكم من الغائط إلى قوله فلم تجدوا ماء فتيمّموا ( فجعل هذه الأشياء موجبة للتّيمّم إذا لم يوجد الماء، فعلم من هذا بدلالة الإشارة أنّ امتثال الأمر يستمرّ إلى حدوث حادث من هذه المذكورات، إمّا مانِععٍ من أصل الوضوء وهو المرض والسفر، وإمَّا رافع لحكم الوضوء بعد وقوعه وهو الأحداث المذكور بعضها بقوله :( أو جاء أحد منكم من الغائط (، فإن وجد الماء فالوضوء وإلاّ فالتيمّم، فمفهوم الشرط وهو قوله :( وإن كنتم مرضى ( ومفهوم النّفي وهو ) فلم تجدوا ماء ( تأويل بَيِّن في صرف هذا الظّاهر عن معناه بل في بيان هذا المجمل، وتفسير واضح لحمل ما فعله الخلفاء على أنّه لقصد الفضيلة لا للوجوب.
وما ذكره القرآن من أعضاء الوضوء هو الواجب وما زاد عليه سنّة واجبة. وحدّدت الآية الأيدي ببلوغ المرافق لأنّ اليد تطلق على ما بلغ الكوع وما إلى المرفق وما إلى الإبط فرفعت الآية الإجمال في الوضوء لقصد المبالغة في النّظافة وسكتت في التّيمّم فعلمنا أنّ السكوت مقصود وأنّ التيمّم لمّا كان مبناه على الرخصة اكتفى بصورة الفعل وظاهر العضو، ولذلك اقتصر على قوله :( وأيديكم ( في التيمّم في هذه السورة وفي سورة النّساء. وهذا من طريق الاستفادة بالمقابلة، وهو طريق بديع في الإيجاز أهمله علماء البلاغة وعلماء الأصول فاحتفظ به وألحقه بمسائلهما.


الصفحة التالية
Icon