" صفحة رقم ١٤٣ "
تعالى :( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرِهم ( ( النساء : ١٥٥ )، وقوله :( فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات في سورة النّساء ( ١٦٠ ).
واللعن هو الإبعاد، والمراد هنا الإبعادُ من رحمة الله تعالى ومن هديه إذ استوجبوا غضب الله لأجل نقض الميثاق.
وجَعلنا قلوبهم قاسية ( قساوة القلب مجاز، إذْ أصلها الصلابة والشدّة، فاستعيرت لعدم تأثّر القلوب بالمواعظ والنذر. وقد تقدّم في قوله تعالى :( ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك ( ( البقرة : ٧٤ ). وقرأ الجمهور :( قاسية ( بصيغة اسم الفاعل. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف :( قَسِيَّة ( فيكون بوزن فَعِيلة من قَسَا يَقْسو.
وجملة ) يُحرّفون الكَلِم عن مواضعه ( استئناف أو حال من ضمير ) لَعنّاهم ). والتحريف : الميل بالشيء إلى الحرف، والحرف هو الجانب. وقد كثر في كلام العرب استعارة معاني السير وما يتعلّق به إلى معاني العمل والهُدى وضدّه ؛ فمن ذلك قولهم : السلوك، والسيرة ؛ والسعي ؛ ومن ذلك قولهم : الصراط المستقيم، وصراطاً سوياً، وسواء السبيل، وجادّة الطريق، والطريقة الواضحة، وسواء الطريق ؛ وفي عكس ذلك قالوا : المراوغة، والانحراف، وقالوا : بنيَّات الطريق، ويعْبُد الله على حرف، ويشعِّبُ الأمور. وكذلك ما هنا، أي يعدلون بالكلم النبويّة عن مواضعها فيسيرون بها في غير مسالكها، وهو تبديل معاني كتبهم السماوية. وهذا التحريف يكون غالباً بسوء التأويل اتّباعاً للهوى، ويكون بكتمان أحكام كثيرة مجاراة لأهواة العامّة، قيل : ويكون بتبديل ألفاظ كتبهم. وعن ابن عبّاس : ما يدلّ على أنّ التحريف فساد التأويل. وقد تقدّم القول في ذلك عند قوله تعالى :( من الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه في سورة النساء ( ٤٦ ). وجيء بالمضارع للدلالة على استمرارهم.