" صفحة رقم ١٤٤ "
وجملة ونسوا حظّاً ( معطوفة على جملة ) يحرّفون ). والنسيان مراد به الإهمال المفضي إلى النسيان غالباً. وعبّر عنه بالفعل الماضي لأنّ النسيان لا يتجدّد، فإذا حصل مضى، حتّى يُذكّره مُذكِّر. وهو وإن كان مراداً به الإهمال فإنّ في صوغه بصيغة الماضي ترشيحاً للاستعارة أو الكناية لتهاونهم بالذكرى.
والحظّ النصيب، وتنكيره هنا للتعظيم أو التكثير بقرينة الذمّ. وما ذكّروا به هو التّوراة.
وقد جمعت الآية من الدلائل على قلّة اكتراثهم بالدّين ورقّة اتِّباعهم ثلاثة أصول من ذلك : وهي التعمّد إلى نقض ما عاهدوا عليه من الامتثال، والغرور بسوء التأويل، والنسيان الناشىءُ عن قلّة تعهّد الدّين وقلّة الاهتمام به.
والمقصود من هذا أن نعتبر بحالهم ونتّعظ من الوقوع في مثلها. وقد حاط علماء الإسلام رضي الله عنهم هذا الدّين من كلّ مسارب التحريف، فميّزوا الأحكام المنصوصة والمقيسة ووضعوا ألقاباً للتمييز بينها، ولذلك قالوا في الحكم الثابت بالقياس : يجوز أن يقال : هو دين الله، ولا يجوز أن يُقال : قاله الله.
وقوله :( ولا تزال تطّلع على خائنة منهم ( انتقال من ذكر نقضهم لعهد الله إلى خيسهم بعهدهم مع النّبيء ( ﷺ ) وفِعل ) لا تزال ( يدلّ على استمرار، لأنّ المضارع للدلالة على استمرار الفعل لأنّه في قوة أن يقال : يدوم اطّلاعك. فالاطّلاع مجاز مشهور في العلم بالأمر، والاطّلاع هنا كناية عن المطّلع عليه، أي لا يزالون يخونون فتطّلع على خيانتهم.
والاطّلاع افتعال من طَلع. والطلوع : الصعود. وصيغة الافتعال فيه لمجرّد المبالغة، إذ ليس فعله متعدّياً حتّى يصاغ له مطاوع، فاطّلع بمنزلة تطّلع، أي تكلّف الطلوع لقصد الإشراف. والمعنى : ولا تزال تكشف وتشاهد خائنة منهم.