" صفحة رقم ١٥٤ "
فالفاء عاطفة للاستفهام الإنكاري على قولهم : إنّ الله هو المسيح، للدلالة على أنّ الإنكار ترتّب على هذا القول الشنيع، فهي للتعقيب الذِكري، وهذا استعمال كثير في كلامهم، فلا حاجة إلى ما قيل : إنّ الفاء عاطفة على محذوف دلّ عليه السياق، أي ليس الأمر كما زعمتم، ولاَ أنّها جواب شرط مقدّر، أي إن كان ما تقولون فمن يملك من الله شيئاً، إلخ.
ومعنى يملك شيئاً هنا يَقْدِر على شيء، فالمركّب مستعمل في لازم معناه على طريقة الكناية، وهذا اللازم متعدّد وهو المِلْك، فاستطاعةُ التحويل، وهو استعمال كثير ومنه قوله تعالى :( قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أرادَ بكم ضَرّا الآية في سورة الفتح ( ١١ ). وفي الحديث قال رسول الله لعُيينة بن حِصْن أفأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة لأنّ الذي يملك يتصرّف في مملوكه كيف شاء.
فالتنكير في قوله شيئاً ( للتقليل والتحقير. ولمّا كان الاستفهام هنا بمعنى النفي كان نفي الشيء القليل مقتضياً نفي الكثير بطريق الأولى، فالمعنى : فمن يقدر على شيء من الله، أي مِنْ فِعْله وتصرفِّه أنْ يحوّله عنه، ونظيره ) وما أغني عنكم من الله من شيء ( ( يوسف : ٦٧ ). وسيأتي لمعنى ( يملك ) استعمال آخر عند قوله تعالى :( قل أتعبدون من دون الله ما لا يَملك لكم ضرّاً ولا نفعاً ( ( المائدة : ٧٦ ) في هذه السورة، وسيأتي قريب من هذا الاستعمال عند قوله تعالى :( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً في هذه السورة ( ( المائدة : ٤١ ).
وحرف الشرْط من قوله :( إن أراد ( مستعمل في مجرّد التّعليق من غير دلالة على الاستقبال، لأنّ إهلاك أمّ المسيح قد وقع بلا خلاف، ولأنّ إهلاك المسيح، أي موته واقع عند المجادَلين بهذا الكلام، فينبغي إرخاءُ العنان لهم في ذلك لإقامة الحجّة، وهو أيضاً واقع في قول عند جمع من علماء الإسلام الّذين قالوا : إنّ الله أماته ورفعه دون أن يُمكَّن اليهودُ منه، كما تقدّم عند قوله تعالى :( وما قتلوه وما صلبوه ( ( النساء : ١٥٧ )، وقوله :( إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ( ( آل عمران : ٥٥ ). وعليه فليس في