" صفحة رقم ٧٨ "
فالمعنى : إنْ حرّمنا عليكم أشياء فقد أبحنا لكم أكثر منها، وإن ألزمناكم أشياء فقد جعلناكم في سعة من أشياء أوفر منها، ليعلموا أنّ الله ما يريد منهم إلاّ صلاحهم واستقامتهم. فجملة ) أُحِلَّت لكم بهيمة الأنعام ( مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لأنّها تصدير للكلام بعد عنوانه.
والبهيمة : الحيوان البرّي من ذوي الأربع إنسِيّها ووحشيّها، عدا السباعَ، فتشمل بقر الوحش والظباء. وإضافة بهيمة إلى الأنعام من إضافة العامّ للخاصّ، وهي بيانية كقولهم : ذبابُ النحل ومدينة بغداد. فالمراد الأنعام خاصّة، لأنَّها غالب طعام الناس، وأمّا الوحش فداخل في قوله :( غير محلّي الصيد وأنتم حرم (، وهي هنا لدفع توهّم أن يراد من الأنعام خصوص الإبل لغلبة إطلاق اسم الأنعام عليها، فذكرت ( بهيمة ) لشمول أصناف الأنعام الأربعة : الإبل، والبقر، والغنم، والمعز.
والإضافة البيانيَّة على معنى ( مِن ) التي للبيان، كقوله تعالى :( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( ( الحج : ٣٠ ).
والاستثناء في قوله :( إلاّ ما يتلى عليكم ( من عموم الذوات والأحوال، وما يتلى هُو ما سيفصّل عند قوله :( حُرّمت عليكم الميتة ( ( المائدة : ٣ )، وكذلك قوله :( غير مُحلِّي الصيد وأنتم حرم (، الواقع حالاً من ضمير الخطاب في قوله :( أحِلت لكم (، وهو حال مقيّد معنى الاستثناء من عموم أحوال وأمكنة، لأنّ الحُرم جمع حرام مثل رَدَاح على رُدُح. وسيأتي تفصيل هذا الوصف عند قوله تعالى :( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس في هذه السورة ( ٩٧ ).
والحرام وصف لمن أحرم بحجّ أو عمرة، أي نواهما. ووصف أيضاً لمن كان حالاً في الحرم، ومن إطلاق المحرم على الحالّ بالحرم قول الراعي :
قَتَلوا ابنَ عفّان الخليفةَ مُحْرِما
أي حالاً بحرم المدينة.