" صفحة رقم ٧٩ "
والحَرَم : هو المكان المحدود المحيط بمكة من جهاتها على حدود معروفة، وهو الذي لا يصاد صيده، ولا يُعضد شجره ولا تحلّ لقطته، وهو المعروف الذي حدّده إبراهيم عليه السلام ونصَب أنصاباً تعرف بها حدوده، فاحترمه العرب، وكان قُصّي قد جدّدها، واستمرّت إلى أن بَدَا لقريش أن ينزعوها، وذلك في مدّة إقامة النبي بمكة، واشتدّ ذلك على رسول الله، ثم إنّ قريشاً لم يلبثوا أن أعادوها كما كانت. ولمَّا كان عامُ فتح مكة بعث النبي تميماً بن أسد الخُزاعي فجدّدها. ثم أحياها وأوضحها عمر بن الخطاب في خلافته سنة سبع عشرة، فبعث لتجديد حدود الحرم أربعة من قريش كانوا يتبدّون في بوادي مكة، وهم : مخرمة بن نوفل الزهري، وسعيد بن يربوع المخزومي، وحوَيطب بن عبد العزّى العامري، وأزهر بن عوف الزهري، فأقاموا أنصاباً جعلت علامات على تخطيط الحرم على حسب الحدود التي حدّدها النبي وتبتدىء من الكعبة فتذهب للماشي إلى المدينة نحو أربعة أميال إلى التنعيم، والتنعيم ليس من الحرم، وتمتدّ في طريق الذاهب إلى العراق ثمانية أميال فتنتهي إلى موضع يقال له : المقطع، وتذهب في طريق الطائف تسعة ( بتقديم المثناة ) أميال فتنتهي إلى الجعرانة، ومن جهة اليمن سبعة ( بتقديم السين ) فينتهي إلى أضاةِ لِبْن، ومن طريق جُدّة عشرة أميال فينتهي إلى آخر الحديبية، والحديبية داخلة في الحرم. فهذا الحرم يحرم صيده، كما يحرم الصيد على المحرم بحجّ أو عمرة.
فقوله : وأنتم حرم } يجوز أن يراد به محرِمون، فيكون تحريماً للصيد على المحرم : سواء كان في الحرم أم في غيره، ويكون تحريم صيد الحرم لغير المحرم ثابتاً بالسنّة، ويجوز أن يكون المراد به : محرمون وحالّون في الحرم، ويكون من استعمال اللفظ في معنيين يجمعهما قدر مشترك بينهما وهو الحُرمة، فلا يكون من استعمال المشترك في معنييه إن قلنا بعدم صحّة استعماله فيهما، أو يكون من استعماله فيهما، على رأي من يصحّح ذلك، وهو الصحيح، كما قدّمناه في المقدّمة التاسعة.