" صفحة رقم ٨٠ "
وقد تفنّن الاستثناء في قوله :( إلاّ ما يتلى عليكم ( وقوله :( غير مُحِلّي الصيد (، فجيء بالأول بأداة الاستثناء، وبالثاني بالحالين الدالّين على مغايرة الحالة المأذون فيها، والمعنى : إلاّ الصيد في حالة كونكم مُحْرمين، أو في حالة الإحرام. وإنَّما تعرّض لحكم الصيد للمحرم هنا لمناسبة كونه مستثنى من بهيمة الأنعام في حال خاصّ، فذكر هنا لأنّه تحريم عارض غير ذاتيّ، ولولا ذلك لكان موضع ذكره مع الممنوعات المتعلّقة بحكم الحرم والإحرام عند قوله تعالى :( يأيها الذين آمنوا لا تحلّوا شعائر الله ( ( المائدة : ٢ ) الآية.
والصيد يجوز أن يكون هنا مصدراً على أصله، وأن يكون مطلقاً على اسم المفعول : كالخَلْق على المخلوق، وهو إطلاق شائع أشهر من إطلاقه على معناه الأصليّ، وهو الأنسب هنا لتكون مواقعه في القرآن على وتيرة واحدة، فيكون التقدير : غير محلي إصابة لصيد. والصيد بمعنى المصدر : إمساك الحيوان الذي لا يألف، باليد أو بوسيلة ممسكة، أو جارحة : كالشباك، والحبائل، والرماح، والسهام، والكلاب، والبُزاة ؛ وبمعنى المفعول هو المَصيد. وانتصب ) غيرَ ( على الحال من الضمير المجرور في قوله :( لكم ). وجملة ) وأنتم حرم ( في موضع الحال من ضمير ( مُحلّي )، وهذا نسج بديع في نظم الكلام استفيد منه إباحة وتحريم : فالإباحة في حال عدم الإحرام، والتحريم له في حال الإحرام.
وجملة ) إنّ الله يحكم ما يريد ( تعليل لقوله :( أوفوا بالعقود (، أي لا يصرفكم عن الإيفاء بالعقود أن يكون فيما شرعه الله لكم شيء من ثقل عليكم، لأنّكم عاقدتم على عدم العصيان، وعلى السمع والطاعة لله، والله يحكم ما يريد لا ما تريدون أنتم. والمعنى أنّ الله أعلم بصالحكم منكم.