" صفحة رقم ٨١ "
وذكر ابن عطية : أنّ النقّاش حكى : أنّ أصحاب الكِندي قالوا له :( أيّها الحكيم اعمل لنا مِثْلَ هذا القرآن، قال : نعم أعْمَل لكم مثلَ بعضه، فاحتجبَ عنهم أيَّاماً ثمّ خرج فقال : والله ما أقدر عليه. ولا يطيق هذا أحد، إنِّي فتحت المصحف فخرجتْ سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد أمر بالوفاء ونَهَى عن النكث وحلّل تحليلاً عامّاً ثم استثنى استثناء بعد استثناء ثم أخبرَ عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يستطيع أحد أن يأتي بهذا إلاّ في أجْلاد ) جَمع جِلد أي أسفار.
) ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْىَ وَلاَ الْقَلَائِدَ وَلا
ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ ).
) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْىَ وَلاَ الْقَلَائِدَ وَلا
ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ ).
اعتراض بين الجمل التي قبله وبين جملة ) وإذا حللتم فاصطادوا. ولذلك أعيد الخطاب بالنداء بقوله : يا أيها الذين آمنوا ). وتوجيه الخطاب إلى الذين آمنوا مع أنّهم لا يظنّ بهم إحلال المحرّمات، يدلّ على أنّ المقصود النهي عن الاعتداء على الشعائر الإلهية التي يأتيها المشركون كما يأتيها المسلمون.
ومعنى ) لا تحلّوا شعائر الله ( لا تحلّوا المحرّم منها بين الناس، بقرينة قوله :( لا تحلّوا (، فالتقدير : لا تحلّوا مُحرّم شعائرِ الله، كما قال تعالى : في إحلال الشهر الحرام بعمل النسيء ) فيحلّوا ما حرّم الله ( ( التوبة : ٣٧ ) ؛ وإلاّ فمِن شعائر الله ما هو حلال كالحَلق، ومنها ما هو واجب. والمحرّمات معلومة.
والشعائر : جمع شعيرة. وقد تقدّم تفسيرها عند قوله تعالى :( إنّ الصفا والمروة من شعائر الله ( ( البقرة : ١٥٨ ). وقد كانت الشعائر كلّها معروفة لديهم، فلذلك عدل عن عدّها هنا. وهي أمكنة، وأزمنة، وذوات ؛ فالصفا، والمروة، والمشعر الحرام، من الأمكنة. وقد مضت في سورة البقرة.