" صفحة رقم ٩٨ "
يَعْرِض لهم في شؤونهم، كتبوا على أحدها العقل في الديَة، إذا اختلفوا في تعيين من يحمل الدية منهم ؛ وأزلام لإثبات النسب، مكتوب على واحد ( منكم )، وعلى واحد ( من غَيْركم )، وفي آخر ( مُلْصَق ). وكانت لهم أزلام لإعطاء الحقّ في المياه إذا تنازعوا فيها. وبهذه استقسم عبد المطلب حين استشار الآلهة في فداء ابنه عبد الله من النَّذْر الذي نذره أن يَذبحه إلى الكعبة بعشرة من الإبل، فخرج الزلم على عبد الله فقالوا له : أرض الآلهة فزاد عشرة حتّى بلغ مائة من الإبل فخرج الزّلم على الإبل فنحرها. وكان الرجل قد يتّخذ أزلاماً لنفسه، كما ورد في حديث الهجرة ( أنّ سُراقة ابنَ مالك لمّا لحق النبي ( ﷺ ) ليأتي بخبره إلى أهل مكة استقسم بالأزلام فخرج له ما يكره ).
والإشارة في قوله :( ذلكم فسق ( راجعة إلى المصدر وهو ) أن تستقسموا ). وجيء بالإشارة للتنبيه عليه حتّى يقع الحكم على متميّز معيّن.
والفسق : الخروج عن الدين، وعن الخير، وقد تقدّم عند قوله تعالى :( وما يضلّ به إلاّ الفاسقين في سورة البقرة ( ٢٦ ).
وجعل الله الاستقسام فسقاً لأنّ منه ما هو مقامرة، وفيه ما هو من شرائع الشرك، لتطلّب المسبّبات من غير أسبابها، إذ ليس الاستقسام سبباً عاديّاً مضبوطاً، ولا سبباً شرعيّاً، فتمحّض لأن يكون افتراء، مع أنّ ما فيه من توهّم الناس إيّاه كاشفاً عن مراد الله بهم، من الكذب على الله، لأنّ الله نصب لمعرفة المسبّبات أسباباً عقليّة : هي العلوم والمعارف المنتزعة من العقل، أو من أدلّته، كالتجربة، وجعل أسباباً لا تعرف سببيتها إلاّ بتوقيف منه على لسان الرّسل : كجعل الزوال سبباً للصّلاة. وما عدا ذلك كذب وبهتان، فمن أجل ذلك كان فسقاً، ولذلك قال فقهاؤنا بجرحة من ينتحل ادّعاء معرفة الغيوب.