" صفحة رقم ٩٩ "
وليس من ذلك تعرّف المسبّبات من أسبابها كتعرّف نزول المطر من السحاب، وترقّب خروج الفرخ من البيضة بانقضاء مدّة الحضانة، وفي الحديث إذا نشأت بَحْرِيَّة ثم تشاءَمَتْ فتلكَ عين غُدَيْقَة أي سحابة من جهة بحرهم، ومعنى عين أنها كثيرة المطر. وأمَّا أزلام الميسر، فهي فسْق، لأنَّها من أكل المال بالباطل.
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ).
جملة وقعت معترضة بين آية المحرّمات المتقدّمة، وبين آية الرخصة الآتِيَة : وهي قوله :( فمن اضطرّ في مخمصة ( لأنّ اقتران الآية بفاء الفريع يقضي باتّصالها بما تقدّمها. ولا يصلح للاتّصال بها إلاّ قوله :( حرّمت عليكم الميتة ( الآية.
والمناسبة في هذا الاعتراض : هي أنّ الله لمّا حرّم أموراً كان فعلها من جملة دين الشرك، وهي ما أهِلّ لغير الله به، وما ذبح على النصب، وتحريم الاستقسام بالأزلام، وكان في كثير منها تضييق عليهم بمفارقة معتادهم، والتقليل من أقواتهم، أعقب هذه الشدّة بإيناسهم بتذكير أنّ هذا كلّه إكمال لدينهم، وإخراج لهم من أحوال ضلال الجاهلية، وأنَّهم كما أُيِّدوا بدين عظيم سَمْح فيه صلاحهم، فعليهم أن يقبلوا ما فيه من الشدّة الراجعة إلى إصلاحهم : فالبعض مصلحته راجعة إلى المنافع البدنية، والبعض مصلحتهُ راجعة إلى الترفّع عن حَضِيض الكفر : وهو ما أهلّ به لِغير الله، وما ذُبح على النُصُب. والاستقسامُ بالأزلام أذكرهم بفوزهم على من يناويهم، وبمحاسن دينهم وإكماله، فإنّ من إكمال الإصلاح إجرَاء الشدّة عند الاقتضاء. وذُكّروا بالنعمة، على عادة القرآن في تعقيب الشدّة باللين. وكان المشركون، زماناً، إذا سمعوا أحكام الإسلام رجَوا أن تثقل على المسلمين فيرتدّوا عن الدّين، ويرجعوا