" صفحة رقم ١٢٥ "
قال فخر الدّين : قال الأصوليّون ( أي علماء أصول الدين ) : السبب في إنزالها دفعة واحدة أنّها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوءة والمعاد وإبطال مذاهب المعطّلين والملحدين فإنزال ما يدلّ على الأحكام قد تكون المصلحة أن ينزله الله على قدر حاجاتهم وبحسب الحوادث، وأمّا ما يدلّ على علم الأصول فقد أنزله الله جملة واحدة.
وهي أجمع سور القرآن لأحوال العرب في الجاهلية، وأشدّها مقارعة جدال لهم واحتجاج على سفاهة أحوالهم من قوله :( وجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ( ( الأنعام : ١٣٦ )، وفيما حرّموه على أنفسهم ممّا رزقهم الله.
وفي ( صحيح البخاري ) أنّ ابن عبّاس قال : إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام ( ١٤٠ ) ) قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرّموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلّوا وما كانوا مهتدين.
ووردت في فضل سورة الأنعام وفضل آيات منها روايات كثيرة عن النبي عن ابن مسعود، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وابن عبّاس، وأسماء بنت يزيد.
) الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ).
) الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ).
جملة ) الحمد لله ( تفيد استحقاق الله تعالى الحمد وحده دون غيره لأنّها تدلّ على الحصر. واللام لتعريف الجنس، فدلّت على انحصار استحقاق هذا الجنس لله تعالى. وقد تقدّم بيان ذلك مستوفى في أول سورة الفاتحة.
ثم إنّ جملة ) الحمد لله ( هنا خبر لفظاً ومعنىً إذ ليس هنا ما يصرف إلى قصد إنشاء الحمد بخلاف ما في سورة الفاتحة لأنّه عقّب بقوله :( إيّاك نعبد ( ( الفاتحة : ٥ ) إلى آخر السورة، فمن جوّز في هذه أن تكون إنشاء معنى لم يُجد التأمّل.