" صفحة رقم ١٢٨ "
ولم يرد لفظ ( النور ) إلاّ مفرداً. وهما معاً دالاّن على الجنس، والتعريف الجنسي يستوي فيه المفرد والجمع فلم يبق للاختلاف سبب لاتّباع الاستعمال، خلافاً لما في ( الكشاف ).
) ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ).
عُطفت جملة ) ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ( على جملة :( الحمد لله الذي خلق السماوات ). ف ) ثم ( للتراخي الرتبي الدالّ على أنّ ما بعدها يتضمّن معنى من نوع ما قبله، وهو أهمّ في بابه. وذلك شأن ( ثم ) إذا وردت عاطفة جملة على أخرى، فإنّ عدول المشركين عن عبادة الله مع علمهم بأنّه خالق الأشياء أمر غريب فيهم أعجب من علمهم بذلك.
والحجّة ناهضة على الذين كفروا لأنّ جميعهم عدا المانوية يعترفون بأنّ الله هو الخالق والمدبّر للكون، ولذلك قال الله تعالى :( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذّكّرون ( ( النحل : ١٧ ).
والخبر مستعمل في التعجيب على وجه الكناية بقرينة موقع ) ثم ( ودلالة المضارع على التجدّد، فالتعجيب من شأن المشركين ظاهر وأمّا المانوية فالتعجيب من شأنهم في أنّهم لم يهتدوا إلى الخالق وعبدوا بعض مخلوقاته. فالمراد ب ) الذين كفروا ( كلّ من كفر بإثبات إله غير الله تعالى سواء في ذلك من جعل له شريكاً مثل مشركي العرب والصابئة ومن خصّ غير الله بالإلهية كالمانوية. وهذا المراد دلّت عليه القرينة وإن كان غالب عرف القرآن إطلاق الذين كفروا على المشركين.
ومعنى ) يعدلون ( يُسوّون. والعدل : التسوية. تقول : عدلت فلاناً بفلان، إذا سوّيته به، كما تقدّم في قوله :( أو عَدْل ذلك صياماً ( ( المائدة : ٩٥ )، فقوله ) بربّهم ( متعلّق ب ) يعدلون ( ولا يصحّ تعليقه ب ) الذين كفروا ( لعدم الحاجة إلى ذلك. وحذف مفعول ) يعدلون (، أي يعدلون بربّهم غيره وقد علم كلّ فريق ماذا عدل بالله. والمراد يعدلونه بالله في الإلهيّة، وإن كان بعضهم يعترف بأنّ الله أعظم كما كان


الصفحة التالية
Icon