" صفحة رقم ١٥١ "
وقوله :( لله ( خبر مبتدأ محذوف دلّ عليه ) ما في السماوات ). الخ. ويقدّر المبتدأ مؤخّراً عن الخبر على وزان السؤال لأنّ المقصود إفادة الحصر.
واللام في قوله :( لله ( للملك ؛ دلّت على عبودية الناس لله دون غيره، وتستلزم أنّ العبد صائر إلى مالكه لا محالة، وفي ذلك تقرير لدليل البعث السابق المبني على إثبات العبودية بحقّ الخلق. ولا سبب للعبوديّة أحقّ وأعظم من الخالقية، ويستتبع هذا الاستدلالُ الإنذار بغضبه على من أشرك معه.
وهذا استدلال على المشركين بأنّ غير الله ليس أهلاً للإلهيّة، لأنّ غير الله لا يملك ما في السماوات وما في الأرض إذ ملك ذلك لخالق ذلك. وهو تمهيد لقوله بعده ) ليجمعنّكم إلى يوم القيامة (، لأنّ مالك الأشياء لا يهمل محاسبتها.
وجملة :( كتب على نفسه الرحمة ( معترضة، وهي من المقول الذي أمر الرسول بأن يقوله. وفي هذا الاعتراض معان :
أحدها : أنّ ما بعده لمّا كان مشعراً بإنذار بوعيد قُدّم له التذكير بأنّه رحيم بعبيده عساهم يتوبون ويقلعون عن عنادهم، على نحو قوله تعالى :( كتب ربّكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم ( ( الأنعام : ٥٤ )، والشرك بالله أعظم سوءٍ وأشدّ تلبّساً بجهالة.
والثاني : أنّ الإخبار بأنّ لله ما في السماوات وما في الأرض يثير سؤال سائل عن عدم تعجيل أخذهم على شركهم بمن هم مِلكه. فالكافر يقول : لو كان ما تقولون صدقاً لعجّل لنا العذاب، والمؤمن يستبطىء تأخير عقابهم، فكان قوله :( كتب على نفسه الرحمة ( جواباً لكلا الفريقين بأنّه تفضّل بالرحمة، فمنها رحمة كاملة : وهذه رحمته بعباده الصالحين، ومنها رحمة موقّتة وهي رحمة الإمهال والإملاء للعصاة والضّالّين.
والثالث : أنّ ما في قوله :( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ( من التمهيد لما في جملة ) ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ( من الوعيد والوعد.
ذُكرت رحمة الله تعريضاً ببشارة المؤمنين وبتهديد المشركين.


الصفحة التالية
Icon