" صفحة رقم ١٥٣ "
فالرحمة هنا مصدر، أي كتب على نفسه أن يرحم، وليس المراد الصفة، أي كتب على نفسه الاتّصاف بالرحمة، أي بكونه رحيماً، لأنّ الرحمة صفة ذاتية لله تعالى واجبة له، والواجب العقلي لا تتعلّق به الإرادة، إلاّ إذا جعلنا ) كتب ( مستعملاً في تمجّز آخر، وهو تشبيه الوجوب الذاتي بالأمر المحتّم المفروض، والقرينة هي هي إلاّ أنّ المعنى الأول أظهر في الامتنان، وفي المقصود من شمول الرحمة للعبيد المعرضين عن حقّ شكره والمشركين له في ملكه غيره.
وفي ( الصحيحين ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ﷺ ) لمّا قضى الله تعالى الخلق كتب كتاباً فوضعه عنده فوق العرش ( إنّ رحمتي سَبَقَتْ غضبي ).
وجملة ) ليجمعنّكم إلى يوم القيامة ( واقعة موقع النتيجة من الدليل والمسبّب من السبب، فإنّه لمّا أبطلت أهلية أصنامهم للإلهية ومحّضت وحدانية الله بالإلهية بطلت إحالتهم البعث بشبهة تفّرق أجزاء الأجساد أو انعدامها.
ولام القسم ونون التوكيد أفادا تحقيق الوعيد. والمراد بالجمع استقصاء متفرّق جميع الناس أفراداً وأجزاءاً متفرّقة. وتعديته ب ) إلى ( لتضمينه معنى السوق. وقد تقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى :( الله لا إله إلاّ هو ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه في سورة النساء ( ٨٧ ).
وضمير الخطاب في قوله : ليجمعنّكم ( مراد به خصوص المحجوجين من المشركين، لأنّهم المقصود من هذا القول من أوله ؛ فيكون نِذارة لهم وتهديداً وجواباً عن أقلّ ما يحتمل من سؤال ينشأ عن قوله :( كتب على نفسه الرحمة ( كما تقدّم.
وجملة ) الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ( الأظهر عندي أنّها متفرّعة على جملة ) ليجمعنّكم إلى يوم القيامة ( وأنّ الفاء من قوله :( فهم لا يؤمنون ( للتفريع والسببية. وأصل التركيب : فأنتم لا تؤمنون لأنّكم خسرتم أنفسكم في يوم القيامة ؛ فعدل عن الضمير إلى الموصول لإفادة الصلة أنّهم خسروا أنفسهم بسبب عدم إيمانهم.


الصفحة التالية
Icon