" صفحة رقم ١٦١ "
وفهم من قوله :( إن عصيت ربّي ( أنّ الآمر له بأن يكون أول من أسلم والناهي عن كونه من المشركين هو الله تعالى. وفي العدول عن اسم الجلالة إلى قوله :( ربّي ( إيماء إلى أنّ عصيانه أمر قبيح لأنّه ربّه فكيف يعصيه.
وأضيف العذاب إلى ) يوم عظيم ( تهويلاً له لأنّ في معتاد العرب أن يطلق اليوم على يوم نصر فريق وانهزام فريق من المحاربين، فيكون اليوم نكالاً على المنهزمين، إذ يكثر فيهم القتل والأسر ويسام المغلوب سوء العذاب، فذكر ) يوم ( يثير من الخيال مخاوف مألوفة، ولذلك قال الله تعالى :( فكذّبوه فأخذهم عذاب يوم الظلّة إنّه كان عذاب يوم عظيم ( ( الشعراء : ١٨٩ ) ولم يقل عذاب الظلّة أنّه كان عذاباً عظيماً. وسيأتي بيان ذلك مفصّلاً عند قوله تعالى :( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن في سورة التغابن ( ٩ )، وبهذا الاعتبار حسَن جعل إضافة العذاب إلى اليوم العظيم كناية عن عظم ذلك العذاب، لأنّ عظمة اليوم العظيم تستلزم عظم ما يقع فيه عرفاً.
وقوله : من يصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه ( جملة من شرط وجزاء وقعت موقع الصفة ل ) عذاب ).
و ) يصرف ( مبني للمجهول في قراءة الأكثر، على أنّه رافع لضمير العذاب أو لضمير ) من ( على النيابة عن الفاعل. والضمير المجرور ب ( عن ) عائد إلى ) مَن ( أي يصرف العذاب عنه، أو عائد إلى العذاب، أي من يصرف هو عن العذاب، وعلى عكس هذا العود يكون عود الضمير المستتر في قوله :( يصرف ).
وقرأه حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب، وخلف ) يصرف ( بالبناء للفاعل على أنّه رافع لضمير ) ربّي ( على الفاعلية.
أمّا الضمير المستتر في ) رحمَهُ ( فهو عائد إلى ) ربّي (، والمنصوب عائد إلى ) مَن ( على كلتا القراءتين.
ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء، أي من وفّقه الله لتجنّب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدّر الله له الرحمة ويسّر له أسبابها.