" صفحة رقم ١٧٥ "
والاستفهام توبيخي عمّا كان المشركون يزعمونه من أنّها تشفع لهم عند الله، أو أنّها تنصرهم عند الحاجة، فلمّا رأوها لا غناء لها قيل لهم : أين شركاؤكم، أي أين عملهم فكأنّهم غُيّب عنهم.
وأضيف الشركاء إلى ضمير المخاطبين إضافة اختصاص لأنّهم الذين زعموا لهم الشركة مع الله في الإلهية فلم يكونوا شركاء إلاّ في اعتقاد المشركين، فلذلك قيل ) شركاؤكم ). وهذا كقول أحد أبطال العرب لعَمرو بن معد يكرب لمّا حدّث عمرو في جمع أنّه قتله، وكان هو حاضراً في ذلك الجمع، فقال له :( مَهْلاً أبا ثور قتيلك يسمع )، أي المزعوم أنّه قتيلك.
ووصفوا ب ) الذين كنتم تزعمون ( تكذيباً لهم ؛ وحذف المفعول الثاني ل ) تزعمون ( ليعمّ كلّ ما كانوا يزعمونه لهم من الإلهية والنصر والشفاعة ؛ أمّا المفعول الأول فحذف على طريقة حذف عائد الصلة المنصوب.
والزعم : ظنّ يميل إلى الكذب أو الخطأ أو لغرابته يتّهم صاحبه، فيقال : زعم، بمعنى أنّ عهدة الخبر عليه لا على الناقل، وتقدّم عند قوله تعالى :( ألم تر إلى الذين يزعمون الآية في سورة النساء ( ٦٠ ). وتأتي زيادة بيان لمعنى الزعم عند قوله تعالى : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا في سورة التغابن ( ٧ ).
وقوله : ثم لم تكن فتنتهم ( عطف على جملة ) ثم نقول ( و ( ثم ) للترتيب الرتبي وهو الانتقال من خبر إلى خبر أعظم منه.
والفتنة أصلها الاختبار، من قولهم : فتنَ الذهَب إذا اختبر خلوصه من الغلْث. وتطلق على اضطراب الرأي من حصول خوف لا يصبر على مثله، لأنّ مثل ذلك يدلّ على مقدار ثبات من يناله، فقد يكون ذلك في حالة العيش ؛ وقد يكون في البغض والحبّ ؛ وقد يكون في الإعتقاد والتفكير وارتباك الأمور. وقد تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى :( إنّما نحن فتنة فلا تكفر في سورة البقرة ( ١٠٢ ).
وفتنتهم ( هنا استثني منها ) أن قالوا والله ربّنا ما كنّا مشركين (، فذلك القول إمّا أن


الصفحة التالية
Icon