" صفحة رقم ١٧٧ "
فاعله مؤنَّث تقديراً، لأنّ القول المنسبك من ( أن ) وصلتها من جملة الفتنة على أحد التأويلين. قال أبو علي الفارسي : وذلك نظير التأنيث في اسم العدد في قوله تعالى :( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( ( الأنعام : ١٦٠ )، لأنّ الأمثال لمّا كانت في معنى الحسنات أنّث اسم عددها.
وقرأ الجمهور ) ربّنا ( بالجرّ على الصفة لاسم الجلالة. وقرأه حمزة، والكسائي، وخلف بالنصب على النداء بحذف حرفه.
وذكرُهم الربّ بالإضافة إلى ضميرهم مبالغة في التنصّل من الشرك، أي لا ربّ لنا غيره. وقد كذّبوا وحلفوا على الكذب جرياً على سننهم الذي كانوا عليه في الحياة، لأنّ المرء يحشر على ما عاش عليه، ولأنّ الحيرة والدهش الذي أصابهم خيّل إليهم أنّهم يموّهون على الله تعالى فيتخلّصون من العقاب. ولا مانع من صدور الكذب مع ظهور الحقيقة يومئذٍ، لأنّ الحقائق تظهر لهم وهم يحسبون أنّ غيرهم لا تظهر له، ولأنّ هذا إخبار منهم عن أمر غائب عن ذلك اليوم فإنّهم أخبروا عن أمورهم في الدنيا.
وفي ( صحيح البخاري ) : أنّ رجلاً قال لابن عباس : إنِّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، فذكر منها قوله :( ولا يكتمون الله حديثاً ( ( النساء : ٤٢ ) وقوله :( والله ربّنا ما كنّا مشركين ). فقد كتموا في هذه الآية. فقال ابن عباس : إنّ الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، فيقول المشركون تعالوا نقل : ما كنّا مشركين، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرفوا أنّ الله لا يُكتم حديثاً.
وقوله :( انظر كيف كذبوا على أنفسهم ( جعل حالهم المتحدّث عنه بمنزلة المشاهد، لصدوره عمّن لا خلاف في أخباره، فلذلك أمر سامعه أو أمر الرسول ( ﷺ ) بما يدلّ على النظر إليه كأنّه مشاهد حاضر.
والأظهر أنّ ) كيف ( لمجرّد الحال غير دالّ على الاستفهام. والنظر إلى الحالة هو النظر إلى أصحابها حين تكيّفهم بها. وقد تقدّمت له نظائر منها قوله تعالى :( انظر كيف يفترون على الله الكذب في سورة النساء ( ٥٠ ). وجعل كثير من المفسّرين النظر هنا نظراً