" صفحة رقم ١٨٠ "
لا يؤمنون إذ كانوا على تلك الصفة، على أنّ خطاب التكليف عامّ لا تعيين فيه لأناس ولا استثناء فيه لأناس. فالجعل بمعنى الخلق وليس للتحويل من حال إلى حال. وقد مات المسمّون كلّهم على الشرك عدا أبا سفيان فإنّه شهد حينئذٍ بأنّ ما سمعه حقّ، فدلّت شهادته على سلامة قلبه من الكنان.
والضمير المنصوب في ) أن يفقهوه ( عائد إلى القرآن المفهوم من قوله ) يستمع إليك ). وحذف حرف الجرّ. والتقدير : من أن يفقهوه، ويتعلّق ب ) أكنّة ( لما فيه من معنى المنع، أي أكنّة تمنع من أن يفهموا القرآن.
والوَقر بفتح الواو الصمم الشديد وفعله كوعد ووجد يستعمل قاصراً، يقال : وقرت أذنه، ومتعدّياً يقال : وقر الله أذنه فوقرت. والوقر مصدر غير قياسي ل ( وقرت ) أذنه، لأنّ قياس مصدره تحريك القاف، وهو قياسي ل ( وقر ) المتعدّي، وهو مستعار لعدم فهم المسموعات. جعل عدم الفهم بمنزلة الصمم ولم يذكر للوقر متعلّق يدلّ على الممنوع بوقر آذانهم لظهور أنّه من أن يسمعوه، لأنّ الوقر مؤذن بذلك، ولأنّ المراد السمع المجازي وهو العلم بما تضمّنه المسموع.
وقوله :( على قلوبهم (، وقوله :( في آذانهم ( يتعلّقان بِ ) جعلنا ). وقدّم كلّ منهما على مفْعول ) جعلنا ( للتنبيه على تعلّقه به من أول الأمر.
فإن قلت : هل تكون هاته الآية حجّة للذين قالوا من علمائنا : إنّ إعجاز القرآن بالصَّرْفة، أي أعجز الله المشركين عن معارضته بأن صرفهم عن محاولة المعارضة لتقوم الحجّة عليهم، فتكون الصرفة من جملة الأكنّة التي جعل الله على قلوبهم.
قلت : لم يحتجّ بهذه الآية أصحاب تلك المقالة لأنّك قد علمت أنّ الأكنّة تخييل وأنّ الوقر استعارة وأنّ قول النضر ( ما أدري ما أقول )، بُهتان ومكابرة، ولذلك قال الله تعالى :( وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها ).
وكلمة ) كلّ ( هنا مستعملة في الكثرة مجازاً لتعذّر الحقيقة سواء كان التعذّر عقلاً كما في هذه الآية، وقوله تعالى :( فلا تميلوا كلّ الميل ( ( النساء : ١٢٩ )، وذلك أنّ الآيات تنحصر أفرادها


الصفحة التالية
Icon