" صفحة رقم ٢٠٦ "
استعمال شائع، وليس فيه شيء من اللوم ولا من التوبيخ، كما توهّمه كثير من المفسّرين.
وقوله :( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ( شرط امتناعي دلّ على أنّ الله لم يشأ ذلك، أي لو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم عليه ؛ فمفعول المشيئة محذوف لقصد البيان بعد الإبهام على الطريقة المسلوكة في فعل المشيئة إذا كان تعلّقه بمفعوله غير غريب وكان شرطاً لإحدى أدوات الشرط كما هنا، وكقوله :( إن يشأ يُذهبكم ( ( النساء : ١٣٣ ).
ومعنى :( لجمعهم على الهدى ( لهداهم أجمعين. فوقع تفنّن في أسلوب التعبير فصار تركيباً خاصِّيّاً عدل به على التركيب المشهور في نحو قوله تعالى :( فلو شاء لهداكم أجمعين ( ( الأنعام : ١٤٩ ) للإشارة إلى تمييز الذين آمنوا من أهل مكّة على من بقي فيها من المشركين، أي لو شاء لجمعهم مع المؤمنين على ما هدى إليه المؤمنين من قومهم.
والمعنى : لو شاء الله أن يخلقهم بعقول قابلة للحقّ لخلقهم بها فلَقَبلُوا الهدى، ولكنّه خلقهم على ما وصف في قوله :( وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً ( ( الأنعام : ٢٥ ) الآية، كما تقدّم بيانه. وقد قال تعالى :( ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة ( ( هود : ١١٨ )، وبذلك تعلم أنّ هذه مشيئة كليّة تكوينيّة، فلا تعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى في آخر هذه السورة ( ١٤٨ ) ) سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا الآية. فهذا من المشيئة المتعلّقة بالخلق والتكوين لا من المشيئة المتعلّقة بالأمر والتشريع. وبينهما بَوْن، سقط في مهواته من لم يقدّر له صون.
وقوله : فلا تكونّن من الجاهلين ( تذييل مفرّع على ما سبق.
والمراد ب ) الجاهلين ( يجوز أن يكون من الجهل الذي هو ضدّ العلم، كما في قوله تعالى خطاباً لنوح ) إنّي أعظُك أن تكون من الجاهلين ( ( هود : ٤٦ )، وهو ما حمل عليه المفسّرون هنا. ويجوز أن يكون من الجهل ضدّ الحلم، أي لا تضق صدراً بإعراضهم. وهو أنسب بقوله :( وإن كان كبر عليك إعراضهم ). وإرادة كلا المعنيين ينتظم مع مفاد الجملتين : جملة :( وإن كان كبر عليك إعراضهم ( وجملة ) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ). ومع كون هذه الجملة تذييلاً للكلام السابق فالمعنى : فلا يَكْبُرْ عليك إعراضهم


الصفحة التالية
Icon