" صفحة رقم ٢١٠ "
وفصل فعل قل ( فلم يعطف لأنَّه وقع موقع المحاورة فجاء على طريقة الفصل التي بيّنّاها في مواضع كثيرة، أولها : قوله تعالى :( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها في سورة البقرة ( ٣٠ ).
وأمَر الله رسوله أن يجيبهم بما يُعلم منه أنّ الله لو شاء لأنزل آية على وفق مقترحهم تقوم عليهم بها الحجّة في تصديق الرسول، ولكنّ الله لم يرد ذلك لحكمة يعلمها ؛ فعبّر عن هذا المعنى بقوله : إنّ الله قادر على أنّ ينزّل آية ( وهم لا ينكرون أنّ الله قادر، ولذلك سألوا الآية، ولكنّهم يزعمون أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يَثبُت صدقه إلاّ إذا أيّده الله بآية على وفق مقترحهم. فقوله :( إنّ الله قادر على أن ينزّل آية ( مستعمل في معناه الكنائي، وهو انتفاء أن يريد الله تعالى إجابة مقترحهم، لأنَّه لمّا أرسل رسوله بآيات بيّنات حصل المقصود من إقامة الحجّة على الذين كفروا، فلو شاء لزادهم من الآيات لأنّه قادر.
ففي هذه الطريقة من الجواب إثبات للردّ بالدليل، وبهذا يظهر موقع الاستدراك في قوله :( ولكنّ أكثرهم لا يعلمون ( فإنّه راجع إلى المدلول الالتزامي، أي ولكن أكثر المعاندين لا يعلمون أنّ ذلك لو شاء الله لفعله، ويحسبون أنّ عدم الإجابة إلى مقترحهم يدلّ على عدم صدق الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك من ظلمة عقولهم، فلقد جاءهم من الآيات ما فيه مزدجر.
فيكون المعنى الذي أفاده هذا الردّ غير المعنى الذي أفاده قوله ) ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون ( ( الأنعام : ٨ ) فإنّ ذلك نبّهوا فيه على أنّ عدم إجابتهم فيه فائدة لهم وهو استبقاؤهم، وهذا نبّهوا فيه على سوء نظرهم في استدلالهم.
وبيان ذلك أنّ الله تعالى نصب الآيات دلائل مناسبة للغرض المستدلّ عليه كما يقول المنطقيّون : إنّ المقدّمات والنتيجة تدلّ عقلاً على المطلوب المستدلّ عليه، وإنّ النتيجة هي عين المطلوب في الواقع وإن كانت غيره في الاعتبار ؛ فلذلك نجد القرآن يذكر الحجج على عظيم قدرة الله على خلق الأمور العظيمة، كإخراج الحي من الميت وإخراج