" صفحة رقم ٢١٢ "
) ولن نؤمن لرقّيك حتّى تُنَزّل علينا كتاباً نقرؤه ( ( الإسراء : ٩٣ ). فردّ الله عليهم بقوله :( إنّما أنت منذر ( ( الرعد : ٧ )، أي لا علاقة بين الإنذار وبين اشتراط كون الإنذار في كتاب ينزّل من السماء، لأنّ الإنذار حاصل بكونه إنذاراً مفصّلاً بليغاً دالاّ على أنّ المنذِر به ما اخترعه من تلقاء نفسه، ولذلك ردّ عليهم بما يبيّن هذا في قوله :( وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذَنْ لارْتَابَ المُبطلون إلى قوله وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربّه قل إنَّما الآيات عند الله وإنّما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم ( ( العنكبوت : ٤٨ ٥١ )، أي فما فائدة كونه ينزل في قرطاس من السماء مع أنّ المضمون واحد.
وقال في ردّ قولهم :( حتّى تنزّل علينا كتاباً نقرؤه ( ( الإسراء : ٩٣ ) ) قل سبحان ربِّي هل كنت إلاّ بشراً رسولا ( ( الإسراء : ٩٣ ). نعم إنّ الله قد يقيم آيات من هذا القبيل من تلقاء اختياره بدون اقتراح عليه، وهو ما يسمّى بالمعجزة مثل ما سمّى بعض ذلك بالآيات في قوله :( في تسع آيات إلى فرعون وقومه ( ( النمل : ١٢ )، فذلك أمر أنف من عند الله لم يقترحه عليه أحد. وقد أعطى نبيّنا محمداً ( ﷺ ) من ذلك كثيراً في غير مقام اقتراححٍ من المعرضين، مثل انشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام القليل، ونبع الماء من الأرض بسهم رشقه في الأرض. هذا هو البيان الذي وعدتُ به عند قوله تعالى :( وقالوا لولا أنزل عليه ملَك في هذه السورة ( ٨ ).
ومن المفسِّرين من جعل معنى قوله ولكنّ أكثرهم لا يعلمون ( أنّهم لا يعلمون أنّ إنزال الآية على وفق مقترحهم يعقبها الاستئصال إن لم يؤمنوا، وهم لعنادهم لا يؤمنون. إلاّ أنّ ما فسّرتها به أولى لئلاّ يكون معناها إعادة لمعنى الآية التي سبقتها، وبه يندفع التوقّف في وجه مطابقة الجواب لمقتضى السؤال حسبما توقّف فيه التفتزاني في تقرير كلام ( الكشاف ).
وقوله :( ولكنّ أكثرهم لا يعلمون ( تنبيه على أنّ فيهم من يعلم ذلك ولكنّه يكابر ويُظهر أنّه لا يتمّ عنده الاستدلال إلاّ على نحو ما اقترحوه.
وإعادة لفظ ) آية ( بالتنكير في قوله ) أن يُنزّل آية ( من إعادة النكرة نكرة وهي عين