" صفحة رقم ٢١٣ "
الأولى. وهذا يبطل القاعدة المتداولة بين المعربين من أنّ اللفظ المنكّر إذا أعيد في الكلام منكّراً كان الثاني غير الأول. وقد ذكرها ابن هشام في ( مغني اللبيب ) في الباب السادس ونقضها. وممّا مثّل به لإعادة النكرة نكرة وهي عين الأولى لا غيرها قوله تعالى :( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ( ( الروم : ٥٤ ). وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى :( فلا جناح عليهما أن يصّالحا بينهما صلحاً والصلح خير في سورة النساء ( ١٢٨ ).
٣٨ ) وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى الاَْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ).
معنى هذه الآية غامض بدءاً. ونهايتها أشدّ غموضاً، وموقعها في هذا السياق خفي المناسبة. فاعلَم أنّ معنى قوله :( وما من دابّة في الأرض إلى قوله إلاّ أمم أمثالكم ( أنّ لها خصائص لكلّ جنس ونوع منها كما لأمم البشر خصائصها، أي جعل الله لكلّ نوع ما به قوامه وألهمه اتِّباع نظامه وأنّ لها حياة مؤجّلة لا محالة.
فمعنى ) أمثالكم ( المماثلة في الحياة الحيوانية وفي اختصاصها بنظامها.
وأمّا معنى قوله :( ثم إلى ربّهم يحشرون ( أنّها صائرة إلى الموت. ويعضّده ما روي عن ابن عباس : حشر البهائم موتها، أي فالحشر مستعمل في مجاز قريب إلى حقيقته اللغوية التي في نحو قوله تعالى :( وحشر لسليمان جنوده ( ( النمل : ١٧ ). فموقع هذه الآية عند بعض المفسّرين أنّها بمنزلة الدليل على مضمون قوله تعالى :( قل إنّ الله قادر على أن ينزّل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ( الأنعام : ٣٧ )، فيجوز أن تكون معطوفة على جملة ) إنّ الله قادر على أن ينزّل آية ( ( الأنعام : ٣٧ ) على أنّها من جملة ما أمر النبي بأن يقوله لهم ؛ ويجوز أن تكون معطوفة على جملة :( قُل إنّ الله قادر ( ( الأنعام : ٣٧ ) على أنّها من خطاب الله لهم. أي أنّ الذي خلق أنواع الأحياء كلِّها وجعلها كالأمم ذات خصائص جامعة لأفراد كلّ نوع منها فكان خلقها


الصفحة التالية
Icon