" صفحة رقم ٢١٤ "
آية على عظيم قدرته لا يعجزه أن يأتي بآية حسب مقترحكم ولكنّكم لا تعلمون الحكمة في عدم إجابتكم لما سألتم. ويكون تعقيبه بقوله تعالى :( والّذين كذّبوا بآياتنا صمّ وبُكْم ( ( الأنعام : ٣٩ ) الآية واضح المناسبة، أي لا يهتدون إلى ما في عوالم الدواب والطير من الدلائل على وحدانية الله.
وأمّا قوله :( ثمّ إلى ربّهم يحشرون ( فإن نظرنا إليه مستقلاً بنصّه غير ملتفتين إلى ما نيط به من آثار مروية في تفسيره ؛ فأول ما يبدو للناظر أنّ ضميري ) ربّهم ( و ) يحشرون ( عائدان إلى ) دابّة ( و ) طائر ( باعتبار دلالتهما على جماعات الدّواب والطير لوقوعهما في حيّز حرف ( مِنْ ) المفيدة للعموم في سياق النفي، فيتساءل الناظر عن ذلك وهما ضميران موضوعان للعقلاء. وقد تأولوا لوقوع الضميرين على غير العقلاء بوجهين : أحدهما أنّه بناءٌ على التغليب إذ جاء بعده ) إلاّ أمم أمثالكم ). الوجه الثاني أنّهما عائدان إلى ) أمم أمثالكم (، أي أنّ الأمم كلّها محشورة إلى الله تعالى.
وأحسن من ذلك تأويلاً أن يكون الضميران عائديْن إلى ما عادت إليه ضمائر الغيبة في هذه الآيات التي آخرها ضمير ) وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه (، فيكون موقع جملة ) ثم إلى ربّهم يحشرون ( موقع الإدماج والاستطراد مجابهة للمشركين بأنَّهم محشورون إلى الله لا محالة وإن أنكروا ذلك.
فإذا وقع الإلتفات إلى ما روي من الآثار المتعلّقة بالآية كان الأمر مُشكلاً. فقد روى مسلم عن أبي هريرة أنّ رسول الله ( ﷺ ) قال :( لتُؤَدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشّاة الجلحاء ( التي لا قرن لها، وفي رواية غيره : الجَماء ) من الشاة القرناء ). وروى أحمد بن حنبل وأبو داوود الطيالسي في ( مسنديهما ) عن أبي ذرّ قال : انتطحت شاتان أو عنزان عند رسول الله ( ﷺ ) فقال : يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا، قلت : لا، قال : لكن الله يدري وسيقضي بينهما يوم القيامة. فهذا مقتض إثبات حشر الدوابّ ليوم الحساب، فكان معناه خفي الحكمة إذ من المحقّق انتفاء تكليف الدوابّ والطير تبعاً لانتفاء العقل عنها. وكان موقعها جلي المناسبة بما قاله


الصفحة التالية
Icon