" صفحة رقم ٢١٧ "
وتشمل الأرض البحر لأنَّه من الأرض ولأنّ مخلوقاته يطلق عليها لفظ الدابَّة، كما ورد في حديث سرية سِيف البحر قول جابر بن عبد الله : فألقى لنا البحر دابّة يقال لها العنبر.
والمماثلة في قوله :( أمثالكم ( التشابه في فصول الحقائق والخاصّات التي تميّز كلّ نوع من غيره، وهي النظم الفطرية التي فطر الله عليها أنواع المخلوقات. فالدّواب والطير تُماثل الأناسي في أنّها خلقت على طبيعة تشترك فيها أفراد أنواعها وأنّها مخلوقة لله معطاة حياة مقدّرة مع تقدير أرزاقها وولادتها وشبابها وهرمها، ولها نظم لا تستطيع تبديلها. وليست المماثلة براجعة إلى جميع الصفات فإنّها لا تماثل الإنسان في التفكير والحضارة المكتسبة من الفكر الذي اختصّ به الإنسان. ولذلك لا يصحّ أن يكون لغير الإنسان نظام دولة ولا شرائع ولا رسل ترسل إليهن لانعدام عقل التكليف فيهنّ، وكذلك لا يصحّ أن توصف بمعرفة الله تعالى. وأما قوله تعالى :( وإنْ من شيء إلاّ يُسبّح بحمده ( ( الإسراء : ٤٤ ) فذلك بلسان الحال في العجماوات حين نراها بَهِجَة عند حصول ما يلائمها فنراها مرحة فرحة. وإنّما ذلك بما ساق الله إليها من النعمة وهي لا تفقه أصلها ولكنّها تحسّ بأثرها فتبتهج، ولأنّ في كل نوع منها خصائص لها دلالة على عظيم قدرة الله وعلمه تختلف عن بقية الأنواع من جنسه والمقصد من هذا صرف الأفهام إلى الاعتبار بنظام الخلق الذي أودعه الله في كلّ نوع، والخطاب في قوله :( أمثالكم ( موجّه إلى المشركين.
وجملة :( ما فرطنا في الكتاب من شيء ( معترضة لبيان سعة علم الله تعالى وعظيم قدرته. فالكتاب هنا بمعنى المكتوب، وهو المكنّى عنه بالقلم المراد به ما سبق في علم الله وإرادته الجارية على، وفْقِه كما تقدّم في قوله تعالى :( كتب على نفسه الرحمة ( ( الأنعام : ١٢ ).
وقيل الكتاب القرآن. وهذا بعيد إذ لا مناسبة بالغرض على هذا التفسير، فقد أورد كيف يشتمل القرآن على كلّ شيء. وقد بسط فخر الدين بيان ذلك لاختيار هذا القول وكذلك أبو إسحاق الشاطبي في ( الموافقات ).
والتفريط : الترك والإهمال، وتقدّم بيانه آنفاً عند قوله تعالى :( قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها ( ( الأنعام : ٣١ ).
والشيء هو الموجود. والمراد به هنا أحوال المخلوقات كما يدلّ عليه السياق فشمل أحوال الدّواب والطير فإنّها معلومة لله تعالى مقدّرة عنده بما أودع فيها من حكمة خلقه تعالى.