" صفحة رقم ٢٣٠ "
فالفتح هنا استعارة لإزالة ما يؤلم ويغمّ كقوله :( ولو أنّ أهل القُرى آمنوا واتَّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ( ( الأعراف : ٩٦ ). ومنه تسمية النصر فتحنا لأنّه إزالة غمّ القهر.
وقد جُعل الإعراض عمَّا ذُكّروا به وقتاً لفتح أبواب الخير، لأنّ المعنى أنّهم لمّا أعرضوا عن الاتِّعاظ بنُذر العذاب رفعنا عنهم العذاب وفتحنا عليهم أبواب الخير، كما صُرّح به في قوله تعالى :( وما أرسلنا في قرية من نبّيء إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء لعلّهم يضرّعون ثمّ بدّلنا مكان السيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضرّاء والسرّاء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ( ( الأعراف : ٩٤، ٩٥ ).
وقرأ الجمهور ) فتحنا ( بتخفيف المثنّاة الفوقية. وقرأه ابن عامر، وأبو جعفر ورُويس عن يعقوب بتشديدها للمبالغة في الفتح بكثرته كما أفاده قوله ) أبوابَ كلّ شيء ).
ولفظ ( كلّ ) هنا مستعمل في معنى الكثرة، كما في قول النابغة :
بها كلّ ذيَّال وخنساء ترعوي
إلى كلّ رجّاف من الرمل فارد
أو استعمل في معناه الحقيقي ؛ على أنَّه عامّ مخصوص، أي أبواب كل شيء يبتغونه، وقد علم أنّ المراد بكلّ شيء جميع الأشياء من الخير خاصّة بقرينة قوله :( حتى إذا فرحوا ( وبقرينة مقابلة هذا بقوله :( أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء ( ( الأعراف : ٧٩ )، فهنالك وصف مقدّر، أي كلّ شيء صالح، كقوله تعالى :( يأخذ كلّ سفينة غصبا ( ( الكهف : ٧٩ ) أي صالحة.
و ) حتّى ( في قوله :( حتَّى إذا فرحوا ( ابتدائية. ومعنى الفرح هنا هو الازدهاء والبطر بالنعمة ونسيان المنعم، كما في قوله تعالى :( إذ قال له قومه لا تفرح إنّ الله لا يحبّ الفرحين ( ( القصص : ٧٦ ). قال الراغب : ولم يرخّص في الفرح إلاّ في قوله تعالى :( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ( ( يونس : ٥٨ ). و ( إذا ) ظرف زمان للماضي.
ومراد الله تعالى من هذا هو الإمهال لهم لعلّهم يتذكّرون الله ويوحّدونه فتطهر


الصفحة التالية
Icon