" صفحة رقم ٢٤٧ "
سرائرهم فعلم أنّهم لا يؤمنون، وأراد الله أن يظهر استغناء دينه ورسوله عن الاعتزاز بأولئك الطغاة القساة، وليظهر لهم أنّ أولئك الضعفاء خير منهم، وأنّ الحرص على قربهم من الرسول ( ﷺ ) أولى من الحرص على قرب المشركين، وأنّ الدين يرغب الناس فيه وليس هو يرغب في الناس كما قال تعالى :( يمنّون عليك أنْ أسلموا قُل لا تَمنُوا عليّ إسلامكم بلْ اللّهُ يَمُنّ عَلَيْكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ( ( الحجرات : ١٧ ).
ومعنى ) يدعون ربّهم ( يعلنون إيمانهم به دون الأصنام إعلاناً بالقول، وهو يستلزم اعتقاد القائل بما يقوله، إذ لم يكن يومئذٍ نفاق وإنَّما ظهر المنافقون بالمدينة.
والغداة : أوّل النهار. والعشيّ من الزوال إلى الصباح. والباء للظرفية. والتعريف فيهما تعريف الجنس. والمعنى أنّهم يدعون الله اليوم كلّه. فالغداة والعشي قصد بهما استيعاب الزمان والأيام كما يقصد بالمشرق والمغرب استيعاب الأمكنة. وكما يقال : الحمد لله بكرة وأصيلاً، وقيل : أريد بالدعاء الصلاة. وبالغداة والعشي عموم أوقات الصلوات الخمس. فالمعنى ولا تطرد المصلّين، أي المؤمنين.
وقرأ الجمهور ) بالغَداة ( بفتح الغين وبألف بعد الدال. وقرأه ابن عامر بضمّ الغين وسكون الدال وبواو ساكنة بعد الدال وهي لغة في الغَدَاة.
وجملة ) يريدون وجهه ( حال من الضمير المرفوع في ) يدعون (، أي يدعون مخلصين يريدون وجه الله، أي لا يريدون حظاً دنيوياً.
والوجه حقيقة الجزء من الرأس الذي فيه العينان والأنف والفم. ويطلق الوجه على الذات كلّها مجازاً مرسلاً.
والوجه هنا مستعار للذات على اعتبار مضاف، أي يريدون رضى الله، أي لا يريدون إرضاء غيره. ومنه قوله تعالى :( إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً ( ( الإنسان : ٩ )، وقوله :( فأينما تولّوا فثمّ وجهُ الله، وتقدّم في سورة البقرة ( ١١٥ ). فمعنى يريدون وجهه ( أنَّهم آمنوا ودعوا الله لا يريدون بذلك عرضاً من الدنيا. وقد قيل : إنّ قريشاً طعنوا في إيمان الضعفاء ونسبوهم إلى النفاق، إلاّ أنّ هذا لم يرد به أثر صحيح، فالأظهر أنّ قوله


الصفحة التالية
Icon