" صفحة رقم ٢٤٨ "
) يريدون وجهه ( ثناء عليهم بكمال إيمانهم، وشهادة لهم بأنَّهم مجرّدون عن الغايات الدنيوية كلّها، وليس المقصود به الرّدّ على المشركين.
وجملة ) ما عليك من حسابهم من شيء ( تعليل للنهي عن طردهم، أو إبطال لعلّة الهَمّ بطردهم، أو لعلَّة طلب طردهم. فإنّ إبطال علَّة فعل المنهي عنه يؤول إلى كونه تعليلاً للنهي، ولذا فصلت هذه الجملة.
والحسابُ : عَدّ أفراد الشيء ذي الأفراد ويطلق على إعمال النظر في تمييز بعض الأحوال عن بعض إذا اشتبهت على طريقة الاستعارة بتشبيه تتبّع الأحوال بعَدّ الأفراد. ومنه جاء معنى الحِسْبةَ بكسر الحاء، وهي النظر في تمييز أحوال أهل السوق من استقامة وضدّها. ويقال : حاسبَ فلاناً على أعماله إذا استقراها وتتبّعها. قال النابغة :
يُحاسِبُ نفسه بِكَمْ اشتراها
فالحساب هنا مصدر حاسب. والمراد به تتبّع الأعمال والأحوال والنظر فيما تقابل به من جزاء.
وضمير الجمع في قوله :( من حسابهم ( وقوله ) وما من حسابك عليهم ( يجوز أن يكونا عائدين إلى ) الذين يَدْعون ربّهم ( وهو مَعَاد مَذْكور، وهو المناسب لتناسق الضمائر مع قوله ) فتطردهم ). فالمعنى أنَّهم أهل الحقّ في مجلسك لأنَّهم مؤمنون فلا يطردون عنه وما عليك أن تحسب ما عدا ذلك من الأمور العارضة لهم بزعم المشركين، وأنّ حضور أولئك في مجلسك يصدّ كبراء المشركين عن الإيمان، أي أنّ ذلك مدحوض تجاه حقّ المؤمنين في مجلس رسولهم وسماع هديه.
وقيل معنى :( ما عليك من حسابهم ( أنّ المشركين طعنوا في إخلاص هؤلاء النفر، قالوا : يا محمد إنّ هؤلاء إنّما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لأنَّهم يجدون مأكولاً وملبوساً عندك، فقال الله تعالى : ما يلزمك إلاّ اعتبار ظاهرهم وإن كان لهم باطن يخالفه فحسابهم على الله، أي إحصاء أحوالهم ومناقشتهم عليها على نحو قول نوح ) إنْ حسابُهم إلاّ على ربِّي لو تَشعرون ( ( الشعراء : ١١٣ ). فمعنى حسابهم على هذا الوجه تمحيص