" صفحة رقم ١٠ "
وجملة ) يوحى ( في موضع الحال، يتقيّد بها الجَعل المأخوذ من ) جعلنا ( فهذا الوحي من تمام المجعول.
والوحي : الكلام الخفي، كالوسوسة، وأريد به ما يشمل إلقاء الوسوسة في النّفس من حديث يُزوّر في صورة الكلام. والبعض الموحي : هو شياطين الجنّ، يُلقون خواطر المقدرة على تعليم الشرّ إلى شياطين الإنس، فيكونون زعماء لأهل الشرّ والفساد.
والزّخرف : الزّينة، وسمّي الذهب زُخرفاً لأنَّه يتزيَّن به حَلياً، وإضافة الزخرف إلى القول من إضافة الصّفة إلى الموصوف، أي القول الزُخرف : أي المُزَخْرَف، وهو من الوصف بالجامد الّذي في معنى المشتق، إذ كان بمعنى الزيْن. وأفهم وصف القول بالزُخرف أنّه محتاج إلى التّحسين والزخرفَة، وإنَّما يحتاج القول إلى ذلك إذا كان غير مشتمل على ما يكسبه القبول في حدّ ذاته، وذلك أنّه كان يفضي إلى ضُرّ يحتاج قائله إلى تزيينه وتحسينه لإخفاء ما فيه من الضرّ، خشية أن ينفر عنه من يُسوله لهم، فذلك التّزيين ترويج يستهوون به النّفوس، كما تموّه للصّبيان اللُّعب بالألوان والتذهيب.
وانتصب ) زخرف القول ( على النيابة عن المفعول المطلق من فِعل ) يوحى ( لأنّ إضافة الزّخرف إلى القول، الّذي هو من نوع الوحي، تجعل ) زخرف ( نائياً عن المصدر المبيِّن لنوع الوحي.
والغرور : الخِداع والإطماع بالنّفع لقصد الإضرار، وقد تقدّم عند قوله تعالى :( لا يغرنَّك تقلّب الذين كفروا في البلاد في سورة آل عمران ( ١٩٦ ). وانتصب غروراً ( على المفعول لأجله لفعل ) يوحى (، أي يرحون زخرف القول ليَغُرّوهم.
" صفحة رقم ١٠ "
وإنّما رسموها في المصاحف بصور الحروف دون أسمائها، أي بمسمّيات الحروف التي يُنطق بأسمائها ولم يرسموها بما تُقْرأ به أسماؤُها، مراعاة لحالة التّهجي ( فيما أحسب )، أنّهم لو رسموها بالحروف التي يُنطق بها عند ذكر أسمائها خَشُوا أن يلتبس مجموعُ حروف الأسماءِ بكلمات مثل ( يَاسين )، لو رسمت بأسماء حروفها أن تلتبس بنداء من اسمه سين.
فعدلوا إلى رسم الحروف علماً بأنّ القارىء في المصحف إذا وجد صورة الحرف نَطق باسم تلك الصّورة. على معتادهم في التّهجي طرداً للرسم على وتيرة واحدة.
على أنّ رسم المصحف سنّة سنّها كُتاب المصاحف فأقِرّت. وإنّما العمدة في النّطق بالقرآن على الرّواية والتّلقي، وما جُعلت كتابة المصحف إلاّ تذكرة وعوناً للمتلقّي.
وتقدّم هذا في أوّل سورة البقرة وفيما هنا زيادة عليه.
) ) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ).
ذكرنا في طالعة سورة البقرة أنّ الحروف المقطّعة في أوائل السّور أعقبت بذكر القرآن أو الوحي أو ما في معنى ذلك، وذلك يرجح أن المقصود من هذه الحروف التّهجي، إبلاغاً في التّحدي للعرب بالعجز عن الإتيان بمثل القرآن وتخفيفاً للعبء عن النّبيء ( ﷺ ) فتلك جملة مستقلّة وهي هنا معدودة آية ولم تعدّ في بعض السّور.
فقوله :( كتب ( مبتدأ ووقع الابتداء، بالنّكرة إمّا لأنّها أريد


الصفحة التالية
Icon