" صفحة رقم ١٠٠ "
كانت زَرقاء أو برشاء، أو شَيْماء، أو رَسْحاءَ، تشاؤما بِهنّ وهذا من خَوَر أوْهَامهم وأنّ ذلك قوله تعالى :( وإذا الموءودة سُئِلت بأي ذنب قتلت ( ( التكوير : ٨، ٩ )، وقيل : كانوا يفعلون ذلك من شدّة الغيرة خشية أن يأتين ما يَتعيَّر منه أهلهنّ.
وقد ذكر المبرّد في ( الكامل )، عن أبي عبيدة : أنّ تميماً مَنَعت النّعمانَ بن المُنذر الإتاوة فوجّه إليهم أخاه الريان بن المنذر فاستاق النّعم وسبَى الذّراري، فوفدت إليه بنو تميم فأنابوا وسألوه النّساء فقال النّعمان : كلّ امرأة اختارت أباها رُدّت إليه وإن اختارت صاحبها ( أي الّذي صارت إليه بالسبي ) تُركت عليه فكُلّهنّ اختارت أباها إلاّ ابنة لقيس بن عاصم اختارت صاحبَها عمرو بن المشمرِج، فنذر قيس أن لا تولد له ابنة إلاّ قتلها فهذا شيء يَعتلّ به مَنْ وأدوا، يقولون : فعلناه أنفة، وقد أكذب الله ذلك في القرآن، أي بقوله :( قد خَسِر الذين قتلوا أولادهم سَفَهاً ( ( الأنعام : ١٤٠ ).
وذكر البخاري، أنّ أسماء بنت أبي بكر، قالت : كان زيدُ بن عَمرو بن نُفَيل يُحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته : لا تقتُلْها أنا أكفيكَ مؤونتها، فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها : إن شئتَ دفعتُها إليك وإن شئتَ كفيتك مؤونتها. والمعروف أنَّهم كانوا يئدون البنت وقت ولادتها قبل أن تراها أُمّها، قال الله تعالى :( وإذَا بشِّر أحدهم بالأنْثى ظَلّ وجهه مُسْوَدّا وهو كظيم يتوارى من القوم من سُوء ما بشِّر به أيُمْسِكه على هُون أم يدسّه في التّراب ألاَ ساء ما يحكمون ( ( النحل : ٥٨، ٥٩ ). وكان صعصعة بن معاوية من مجاشع، وهو جدّ الفرزدق، يفدي الموءودة، يفعل مثل فعل زيد بن عمرو بن نفيل. وقد افتخر الفرزدق بذلك في شعره في قوله :
ومنّا الّذي منع الوائداتْ
وأحيا الوئيد فلم تُوءَد
وقد أدرك جدّه الإسلام فأسلم. ولا يعرف في تاريخ العرب في الجاهليّة قتل أولادهم غير هذا الوأد إلاّ ما ورد من نذر عبد المطّلب الّذي
" صفحة رقم ١٠٠ "
والفواحش جمع فاحشة وقد تقدّم ذكر معنى الفاحشة عند قوله تعالى :( إنه كان فاحشة ومقتاً في سورة النّساء ( ٢٢ ) وتقدّم آنفاً عند قوله تعالى : وإذا فعلوا فاحشة ( ( الأعراف : ٢٨ ).
و ) ما ظهر منها ( هو ما يظهره النّاس بين قرنائهم وخاصتهم مثل البغاء والمخادنة، وما بطن هو ما لا يظهره النّاس مثل الوأد والسّرقة، وقد تقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى :( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن في سورة الأنعام ( ١٥١ ). وقد كانوا في الجاهليّة يستحلّون هذه الفواحش وهي مفاسد قبيحة لا يشكّ أولو الألباب، لو سئلوا، أنّ الله لا يرضى بها، وقيل المراد بالفواحش : الزّنا، وما ظهر منه وما بطن حالان من أحوال الزّناة، وعلى هذا يتعيّن أن يكون الإتيان بصيغة الجمع لاعتبار تعدّد أفعاله وأحواله وهو بعيد.
وأمّا الإثم فهو كلّ ذنب، فهو أعمّ من الفواحش، وتقدّم في قوله تعالى : قل فيهما إثم كبير في سورة البقرة ( ٢١٩ ). وقوله : وذروا ظاهر الإثم وباطنه في سورة الأنعام ( ١٢٠ )، فيكون ذكر الفواحش قبلَه للاهتمام بالتّحذير منها قبل التّحذير من عموم الذّنوب، فهو من ذكر الخاص قبل العام للاهتمام، كذكر الخاص بعد العام، إلاّ أنّ الاهتمام الحاصل بالتّخصيص مع التّقديم أقوى لأنّ فيه اهتماماً من جهتين.
وأمّا البغي فهو الاعتداء على حقّ الغير بسلب أموالِهم أو بأذاهم، والكبرُ على النّاس من البغي، فما كان بوجه حقّ فلا يسمّى بَغياً ولكنّه أذىً، قال الله تعالى : والّذان يأتيانها منكم فآذوهما ( ( النساء : ١٦ ) وقد كان البغي شائعاً في الجاهليّة فكان القوي يأكل الضّعيف، وذو البأس يغير على أنعام النّاس ويقتل أعداءه منهم، ومن البغي أن يضربوا من يطوف بالبيت بثيابه إذا كان من غير الحُمْس، وأن يُلزموه بأن لا يأكل غير طعام الحُمْس، ولا يطوف إلاّ في ثيابهم.


الصفحة التالية
Icon