" صفحة رقم ١٠٢ "
وقرأ الجمهور :( زَيَّنَ ( بفتح الزاي ونصب :( قتل ( على المفعوليّة ل ) زيَّن (، ورفععِ شركاؤهم على أنّه فاعل :( زين (، وجرّ ) أولادهم ( بإضافة قَتْل إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. وقرأه ابن عامر :( زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائِهم ( ببناء فعل ) زين ( للنّائب، ورفع ) قتل ( على أنه نائب الفاعل، ونصب ) أولادهم ( على أنَّه مفعول ) قتل (، وجَرّ ) شركائهم ( على إضافة ) قتل ( إليه من إضافة المصدر إلى فاعله، وكذلك رسمت كلمة ) شركائهم ( في المصحف العثماني الّذي ببلاد الشّام، وذلك دليل على أنّ الّذين رَسموا تلك الكلمة راعوا قراءة ) شركائهم ( بالكسر وهم من أهل الفصاحة والتّثبت في سند قراءات القرآن، إذا كتب كلمة ) شركائهم ( بصورة الياء بعد الألف، وذلك يدلّ على أنّ الهمزة مكسورة، والمعنى، على هذه القراءة : أنّ مزيِّنا زَيَّن لكثير من المشركين أن يَقْتُلَ شركاؤُهم أولادَهم، فإسناد القتل إلى الشّركاء على طريقة المجاز العقلي إمّا لأنّ الشّركاء سبب القتل إذا كان القتل قُرباناً للأصنام، وإمَّا لأنّ الّذين شرعوا لهم القتل هم القائمون بديانة الشّرك مثل عمرو بن لُحي ومن بعده، وإذا كان المراد بالقتل الوأْدَ، فالشركاء سببَ وإن كان الوأد قُرباناً للأصنام وإن لم يكن قرباناً لهم ( وهو المعروف ) فالشركاء سبب السبب، لأنه من شرائع الشرك.
وهذه القراءة ليس فيها ما يناكد فصاحة الكلام لأنّ الإعراب يُبيِّن معاني الكلمات ومواقعها، وإعرابها مختلف من رفع ونصب وجرّ بحيث لا لبس فيه، وكلماتها ظاهرٌ إعرابها عليها، فلا يعدّ ترتيب كلماتها على هذا الوصف من التّعقيد المخلّ بالفصاحة، مثل التّعْقيد الّذي في قول الفرزدق :
وما مِثْلُه في النّاس إلاّ مُمَلَّكاً
أبُو أمِّه حَيّ أبُوهُ يقاربهْ
لأنَّه ضَمَ إلى خلل ترتيب الكلام أنَّه خَلل في أركان الجملة وما حفّ به من تعدّد الضّمائر المتشابهة وليس في الآية ممّا يخالف متعارف الاستعمال إلاّ الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، والخَطْبُ فيه
" صفحة رقم ١٠٢ "
ولا يتّجه ما نحاه صاحبُ ( الكشاف ) من إجراء هذه الصّلة على طريقة التّهكّم.
وقولُه :( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( تقدّم نظيره آنفاً عند قوله تعالى، في هذه السّورة :( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ( ( الأعراف : ٢٨ ).
وقد جمعت هذه الآية أصول أحوال أهل الجاهليّة فيما تلبسوا به من الفواحش والآثام، وهم يزعمون أنّهم يتورّعون عن الطّواف في الثّياب، وعن أكل بعض الطّيّبات في الحجّ. وهذا من ناحية قوله تعالى :( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عنه الله والفتنة أكبر من القتل ( ( البقرة : ٢١٧ ).
٣٤ ) ) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ).
اعتراض بين جملة :( يا بني آدم خذوا زينتكم ( ( الأعراف : ٣١ ) وبين جملة :( يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم ( ( الأعراف : ٣٥ ) لمّا نعى الله على المشركين ضلالهم وتمرّدهم. بعد أن دعاهم إلى الإيمان، وإعراضَهم عنه، بالمجادلة والتّوبيخ وإظهارِ نقائصهم بالحجّة البيّنة، وكان حالهم حال من لا يقلع عمّا هم فيه، أعقَب ذلك بإنذارهم ووعيدهم إقامةً للحجّة عليهم وإعذاراً لهم قبل حلول العذاب بهم.
وهذه الجملة تؤكّد الغرض من جملة :( وكم من قرية أهلكناها ( ( الأعراف : ٤ ) وتحتمل معنيين :
أحدهما : أن يكون المقصود بهذا الخبر المشركين، بأن أقبل الله على خطابهم أو أمر نبيئه بأن يخاطبهم، لأنّ هذا الخطاب خطاب وعيد وإنذار.


الصفحة التالية
Icon