" صفحة رقم ١٠٨ "
وبُني فعل :( حرمت ( للمجهول : لظهور الفاعل، أي حرّم الله ظهورها بقرينة قوله :( افتراء عليه ).
والصّنف الثّالث : أنعام لا يذكرون اسم الله عليها، أي لا يذكرون اسم الله عند نحرها أو ذبحها، يزعمون أنّ ما أهدي للجنّ أو للأصنام يُذكر عليه اسم مَا قُرّب له، ويزعمون أنّ الله أمر بذلك لتكون خالصَة القربان لما عُيّنت له، فلأجل هذا الزعم قال تعالى :( افتراء عليه ( إذ لا يعقل أن ينسب إلى الله تحريمُ ذِكر اسمه على ما يقرّب لغيره لولا أنَّهم يزعمون أنّ ذلك من القربان الّذي يُرضي الله تعالى، لأنَّه لشركائه، كما كانوا يقولون :( لَبَّيْك لا شريكْ لك، إلاّ شريكاً هُوَ لكْ، تَمْلِكُه ومَا مَلكْ ).
وعن جماعة من المفسّرين، منهم أبو وائل، الأنعام التي لا يذكرون اسم الله عليها كانت لهم سنّة في بعض الأنعام أن لا يُحجّ عليها، فكانت تُركب في كلّ وجه إلاّ الحجّ، وأنَّها المراد بقوله :( وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( لأنّ الحجّ لا يخلو من ذكر الله حين الكون على الرّاحلة من تلبية وتكبير، فيكون :( لا يذكرون اسم الله عليها ( كناية عن منع الحجّ عليها، والظاهر أنّ هذه هي الحامي والبحيرة والسّائبة، لأنَّهم لمّا جعلوا نفعها للأصنام لم يجيزوا أن تستعمل في غير خدمة الأصنام.
وقوله :( وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( معطوف على قوله :
" صفحة رقم ١٠٨ "
من الشّيطان، بأن يبعث إليهم قوماً من حزب الله يبلّغونهم عن الله ما فيه منجاة لهم من كيد الشّياطين، بقوله :( يا بني آدم إما يأتيكم رسل منكم ( الآية فأوصاهم بتصديقهم والامتثال لهم.
و ) إمَّا ( مركّبة من ( إن ) الشّرطيّة و ( ما ) الزائدة المؤكّدة لمعنى الشّرطية، واصطلح أيمّة رسم الخطّ على كتابتها في صورة كلمة واحدَة، رعْياً لحالة النّطق بها بإدغام النّون في الميم، والأظهر أنّها تفيد مع التّأكيد عموم الشّرط مثل أخواتها ( مهما ) و ( أينما )، فإذا اقترنت بإن الشّرطية اقترنت نون التّوكيد بفعل الشّرط كقوله تعالى :( فإما ترين من البشر أحداً فقولي سورة مريم ( ٢٦ ) لأنّ التّوكيد الشّرطي يشبه القسم، وهذا الاقتران بالنّون غالب، ولأنّها لما وقعت توكيداً للشّرط تنزّلت من أداة الشّرط منزلة جزء الكلمة.
وقوله : منكم ( أي من بني آدم، وهذا تنبيه لبَني آدم بأنّهم لا يترقّبون أن تجيئهم رسل الله من الملائكة لأنّ المرسَل يكون من جنس من أرسل إليهم، وفي هذا تعريض بالجهلة من الأمم الذين أنكروا رسالة الرّسل لأنّهم من جنسهم، مثل قوم نوح، إذ قالوا :( ما نراك إلا بشراً مثلنا ( ( هود : ٢٧ ) ومثل المشركين من أهل مكّة إذ كذّبوا رسالة محمّد ( ﷺ ) بأنّه بَشر قال تعالى :( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أَبَعثَ الله بشراً رسولاً قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ( ( الإسراء : ٩٤، ٩٥ ).
ومعنى ) يقصون عليكم آياتي ( يتلونها ويحكونها ويجوز أن يكون بمعنى يُتبعون الآية بأخرى ويجوز أن يكون بمعنى يظهرون وكلّها معان مجازيّة للقص لأنّ حقيقة القص هي أنّ أصل القصص إتْباع الحديث من اقتصاص أثر الأرجل واتّباعه لتعرف جهة الماشي، فعلى المعنى الأوّل فهو كقوله في الآية الأخرى :( ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم ( ( الزمر : ٧١ ) وأيّاً مّا كان فهو محتمل للحمل على جميعها من استعمال اللّفظ في مجازيْه.