" صفحة رقم ١٠٩ "
) وأنعام حرمت ظهورها ( وهو عطف صنف على صنف، بقرينة استيفاء أوصاف المعطوف عليه، كما تقدّم في نظيره.
وانتصب :( افتراء عليه ( على المفعولية المطلقة ل ) قالوا (، أي قالوا ذلك قولَ افتراء، لأنّ الافتراء بعض أنواع القول، فصحّ أن ينتصب على المفعول المطلق المبين لنوع القول، والافتراء الكذب الّذي لا شبهة لقائله فيه وتقدّم عند قوله تعالى :( فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون في سورة آل عمران ( ٩٤ )، وعند قوله : ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب في سورة العقود ( ١٠٣ ). وإنَّما كان قولهم افتراء : لأنَّهم استندوا فيه لشيء ليس وارداً لهم من جانب الله، بل هو من ضلال كبرائهم.
وجملة : سيجزيهم بما كانوا يفترون ( استئناف بياني، لأنّ الافتراء على الخالق أمر شنيع عند جميع الخلق، فالإخبار به يثير سؤال من يسأل عمّا سيلقونه من جزاء افترائهم، فأجيب بأنّ الله سيجزيهم بما كانوا يفترون. وقد أبهم الجزاء للتهويل لتذهب النّفوس كلّ مذهب ممكن في أنواع الجزاء على الإثم، والباء بمعنى ( عن )، أو للبدلية والعوض.
٩ ) ) وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هَاذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ).
عطف على قوله :( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ( ( الأنعام : ١٣٨ ). وأعيد فعل :( قالوا ( لاختلاف غرض المقول.
" صفحة رقم ١٠٩ "
الآية أصلها العلامة الدّالة على شيء، من قول أو فعل، وآيات الله الدّلائل التي جعلها دالة على وجوده، أو على صفاته، أو على صدق رسله، كما تقدّم عند قوله تعالى :( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا في سورة البقرة ( ٣٩ )، وقوله تعالى : وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه في سورة الأنعام ( ٣٧ )، ومنه آيات القرآن التي جعلها الله دلالة على مراده للنّاس، للتّعريض بالمشركين من العرب، الذين أنكروا رسالة محمّد. ووجه دلالة الآيات على ذلك إمّا لأنّها جاءت على نظم يَعجز البشر عن تأليف مثله، وذلك من خصائص القرآن، وإمّا لأنّها تشتمل على أحكام ومعان لا قِبَل لغير الله ورسوله بإدراك مثلها، أو لأنّها تدعو إلى صلاح لم يعهَدْه النّاس. فيَدل ما اشتملت عليه على أنّه ممّا أراده الله للنّاس، مثل بقيّة الكتب التي جاءت بها الرّسل، وإمّا لأنّها قارنتها أمور خارقة للعادة تحدّى بها الرّسولُ المرسلُ بتلك الأقوال أمَّتَه، فهذا معنى تسميتها آيات، ومعنَى إضافتها إلى الله تعالى، ويجوز أن يكون المراد بالآيات ما يشمل المعجزاتتِ غيرَ القولية، مثل نبع الماء من بين أصابع محمّد ومثل قلب العصا حيّة لموسى عليه السلام. وابراء الأكمه لعيسى عليه السّلام، ومعنى التّكذيب بها العناد بإنكارها وجحدها.
وجملة : فمن اتقى وأصلح ( جواب الشّرط وبينها وبين جملة :( إما يأتينكم ( محذوف تقديره : فاتقى منكم فريق وكذب فريق ) فمن اتقى ( إلخ، وهذه الجملة شرطيّة أيضاً، وجوابها ) فلا خوف عليهم (، أي فمن اتّبع رسلي فاتّقاني وأصلح نفسه وعمله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولمّا كان إتيان الرّسل فائدته لإصلاح النّاس، لا لنفع الرّسل، عُدل عن جعل الجواب اتّباعّ الرّسل إلى جعله التّقوى والصّلاح. إيماء إلى حكمة إرسال الرّسل، وتحريضا على اتّباعهم بأن فائدتُه للأمم لا للرّسل، كما قال شعيب :( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت ( ( هود : ٨٨ )، أي لا خوف عليهم من عقوبة الله في الدّنيا والآخرة ولا هم يحزنون من شيء