" صفحة رقم ١١١ "
وظاهر الآية أن المراد أنّه محرّم على النساء المتزوّجات لأنّهم سمّوهنّ أزواجاً، وأضافوهنّ إلى ضميرهم، فتعيّن أنَّهن النّساء المتزوّجات بهم كما يقال : امرأة فلان. وإذا حملناه على الظاهر وهو الأوْلى عندي كان ذلك دالاً على أنّهم كانوا يتشاءمون بأكل الزّوجات لشيء ذي صفة كانوا يكرهون أن تصيب نساءَهم : مثللِ العقم، أو سوءِ المعاشرة مع الأزواج، والنّشوز، أو الفراق، أو غير ذلك من أوهام أهل الجاهليّة وتكاذيبهم، أو لأنّه نَتاج أنعام مقدّسة، فلا تحلّ للنّساء، لأنّ المرأة مرموقة عند القدماء قبل الإسلام بالنّجاسة والخباثة، لأجل الحيض ونحو ذلك، فقد كانت بنو إسرائيل يمنعون النّساء دخول المساجد، وكان العرب لا يؤاكلون الحائض، وقالت كبشة بنت معديكرب تعيّر قومها :
ولا تَشرَبُوا إلاّ فُضُولَ نسائكم
إذا ارتَمَلَتْ أعقابُهن منَ الدّم
وقال جمهور المفسّرين : أطلق الأزواج على النّساء مطلقاً، أي فهو مجاز مرسل بعلاقة الإطلاق والتّقييد، فيشمل المرأة الأيّم ولا يشمل البناتتِ، وقال بعضهم : أريد به البنات أي بمجاز الأوْل فلعلّهم كانوا يتشاءمون بأكل البنات منه أن يصيبهن عسر التّزوّج، أو ما يتعيَّرون منه، أو نحو ذلك. وكانت الأحوال الشّائعة بينهم دالّة على المراد.
وأمّا قوله : وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ( أي إنْ يولدْ ما في بطون الأنعام ميّتا جاز أكله للرّجال والأزواج، أو للرّجال والنّساء، أو للرّجال والنّساء والبنات، وذلك لأنّ خروجه ميّتا يبطل ما فيه من الشّؤم على المرأة، أو يذهب قداسته أو نحو ذلك.
وقرأ الجمهور :( وإن يكن ( بالتحتيّة ونصب ) ميتة ). وقرأ ابنُ كثير برفع ) ميتة (، على أنّ كان تامّة، وقد أجري ضمير :( يَكُن ( على التّذكير : لأنّه جائز في الخبر عن اسم الموصول المفرد اعتبار التّذكير
" صفحة رقم ١١١ "
وجملة :( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار ( معطوفة على جملة ) فمن اتَّقى وأصلح ). والرَابط محذوف تقديره : والذين كفروا منكم وكذّبوا.
والاستكبار مبالغة في التّكبّر، فالسين والتّاء للمبالغة. وهو أن يعُد المرء نفسه كبيراً أي عظيماً وما هو به، فالسّين والتاء لعد والحسبان، وكلا الأمرين يؤذن بإفراطهم في ذلك وأنّهم عَدَوْا قدرهم.
وضمن الاستكبار معنى الإعراض. فعلّق به ضمير الآيات. والمعنى : واستكبروا فأعرضوا عنها.
وأفاد تحقيق أنّهم صائرون إلى النّار بطريق قصر ملازمة النّار عليهم في قوله :( أولئك أصحاب النار ( لأنّ لفظ أصحاب مؤذن بالملازمة. وبما تدلّ عليه الجملة الاسميّة من الدّوام والثّبات في قوله :( هم فيها خالدون ).
٣٧ ٣٩ ) ) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِئَايَاتِهِ أُوْلَائِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُو
اْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ قَالَ ادْخُلُواْ فِى
أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِى النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لاُْولَاهُمْ رَبَّنَا هَاؤُلا
ءِ أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَاكِن لاَّ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لاُِخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ).
الفاء للتّفريع على جملة الكلام السّابق، وهذه كالفذلكة لما تقدّم لتُبيِّن أنّ صفات الضّلال، التي أُبهم أصحابُها، هي جافة بالمشركين المكذّبين