" صفحة رقم ١١٥ "
سفَه. التّنبيه على أنَّهم فعلوا ذلك ظنّا منهم أنَّهم أصابوا فيما فعلوا، وأنَّهم علموا كيف يَرأبُون ما في العالم من المفاسد، وينظمون حياتهم أحسن نظام، وهم في ذلك مغرورون بأنفسهم، وجاهلون بأنَّهم يجهلون ) الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يُحسنون صُنعا ( ( الكهف : ١٠٤ ). وتقدّم الكلام على الوأد آنفاً، ويأتي في سورة الإسراء عند قوله :( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( ( الإسراء : ٣١ ).
وقرأ الجمهور :( قَتَلوا أولادهم ( بتخفيف التّاء وقرأه ابن عامر بتشديد التّاء لأنّه قتْل بشدّة، وليست قراءة الجمهور مفيتة هذا المعنى، لأنّ تسليط فعل القتل على الأولاد يفيد أنَّه قتل فظيع.
وقوله :( وحرموا ما رزقهم الله ( نَعَى عليهم خسرانهم في أن حرّموا على أنفسهم بعض ما رزقهم الله، فحُرِموا الانتفاع به، وحَرَموا النّاس الانتفاع به، وهذا شامل لجميع المشركين، بخلاف الّذين قتلوا أولادهم. والموصول الّذي يراد به الجماعة يصحّ في العطف على صلته أن تكون الجمل المتعاطفة مع الصّلة موزّعة على طوائف تلك الجماعة كقوله تعالى :( إنّ الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النّبيين بغير حقّ ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من النّاس فبشّرهم بعذاب أليم ( ( آل عمران : ٢١ ).
وانتصب ) افتراء ( على المفعول المطلق ل ) حرّموا ( : لبيان نوع التّحريم بأنَّهم نسبوه لله كذباً.
وجملة ) قد ضلوا ( استئناف ابتدائي لزيادة النّداء على تحقّق ضلالهم.
والضّلال : خطأ الطّريق الموصِّل إلى المقصود، فهم راموا البلوغ إلى مصالح دنيوية، والتّقرب إلى الله وإلى شركائهم، فوقعوا في المفاسد العظيمة، وأبعدهم الله بذنوبهم، فلذلك كانوا كمن رام الوصول فسلك طريقاً آخر.
" صفحة رقم ١١٥ "
الذين حقّ عليهم ويصادِفهم، وهو قريب من القلب المبني على عكس التّشبيه في قول رؤبة :
وَمَهْمَهٍ مُغْبَرّةٍ أرجاؤُه
كأنّ لَوْنَ أرْضِهِ سَمَاؤُه
وقولهم :( عرضتُ النّاقة على الحوض ).
والنّصيب الحظّ الصّائر لأحد المتقاسمين من الشّيء المقسوم، وقد تقدّم عند قوله تعالى :( أولئك لهم نصيب مما كسبوا في سورة البقرة ( ٢٠٢ )، وقوله : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون في سورة النساء ( ٧ ).
والمراد بالكتاب ما تضمَّنه الكتاب، فإن كان الكتاب مستعملاً حقيقة فهو القرآن، ونصيبهم منه هو نصيبهم من وعيده، مثل قوله تعالى آنفاً : والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( ( الأعراف : ٣٦ )، وإن كان الكتاب مجازاً في الأمر الذي قضَاه الله وقدّره، على حدّ قوله :( لكل أجل كتاب ( ( الرعد : ٣٨ ) أي الكتاب الثّابت في عِلم الله من إحقاق كلمة العذاب عليهم، فنصيبهم منه هو ما أخبر الله بأنّه قدّره لهم من الخلود في العذاب، وأنّه لا يغفر لهم، ويَشْمل ذلك ما سبق تقديره لهم من الإمهال وذلك هو تأجيلهم إلى أجل أراده ثمّ استئصالهم بعده كما أخبر عن ذلك آنفاً بقوله :( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( ( الأعراف : ٣٤ ). وحمل كثير من المفسّرين النّصيب على ما ينالهم من الرّزق والإمهال في الدّنيا قبل نزول العذاب بهم وهو بعيد من معنى الفاء في قوله :( فمن أظلم ( ولا أحسب الحادي لهم على ذلك إلاّ ليكون نوال النّصيب حاصلاً في مدّةٍ ممتدّة ليَكون مجيء الملائكة لتَوَفِّيهم غاية لانتهاء ذلك النّصيب، استبقاء لمعنى الغاية الحقيقيّة في ( حتّى ). وذلك غير ملتزَم، فإنّ حتّى الابتدائيّة لا تفيد من الغاية ما تفيده العاطفة كما سنذكره.
والمعنى : إمّا أنّ كل واحد من المشركين سيصيبه ما توعدهم الله به من الوعيد على قدر عتوه في تكذيبه وإعراضه، فنصيبه هو ما يناسب حاله


الصفحة التالية
Icon