" صفحة رقم ١١٦ "
وعَطْف ) وما كانوا مهتدين ( على ) قد ضلوا ( لقصد التّأكيد لمضمون جملة ) ضلوا ( لأنّ مضمون هذه الجملة ينفي ضدّ الجملة الأولى فتؤول إلى تقرير معناها.
والعرب إذا أكّدوا بمثل هذا قد يأتون به غير معطوف نظراً لمآل مُفاد الجملتين، وأنَّهما باعتباره بمعنى واحد، وذلك حقّ التّأكيد كما في قوله تعالى :( أموات غيرُ أحياء ( ( النحل : ٢١ ) وقوله :( فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ( ( المدثر : ٩، ١٠ ). وقول الأعشى :
إمَّا تَرَيْنَا حُفَاة لا نِعَالَ لنا
وقد يأتون به بالعطف وهو عطف صوري لأنَّه اعتداد بأنّ مفهوم الجملتين مختلف، ولا اعتداد بمآلهما كما في قوله تعالى :( وأضلّ فرعون قومَه وما هَدى ( ( طه : ٧٩ ) وقوله :( قد ضللتُ إذنْ وما أنا من المهتدين ( ( الأنعام : ٥٦ ) وقول المتنبّي :
والبَيْنُ جارَ على ضُعفي وما عَدَلا
وكذلك جاء في هذه الآية ليفيد، بالعطف، أنَّهما خبران عن مساويهم.
و ( كان ) هنا في حكم الزائدة : لأنَّها زائدة معنى، وإن كانت عاملة، والمراد : وما هم بمهتدين، فزيادة ( كان ) هنا لتحقيق النّفي مثلَ موقعها مع لام الجحود، وليس المراد أنَّهم ما كانوا مهتدين قبل أن يقتلوا أولادهم ويُحرّموا ما رزقهم الله، لأنّ هذا لا يتعلّق به غرض بليغ.
١ ) ) وَهُوَ الَّذِى
أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُو
اْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ).
" صفحة رقم ١١٦ "
عند الله من مقدار عذابه، وإمّا أن مجموع المشركين سيصيبهم ما قُدر لأمثالهم من الأمم المكذّبين للرّسل المعرضين عن الآيات من عذاب الدّنيا، فلا يغرنّهم تأخير ذلك لأنّه مُصيبهم لا محالة عند حلول أجله، فنصيبهم هو صفة عذابهم من بين صفات العذاب التي عذّبت بها الأمم.
وجملة :( حتى إذا جاءتهم رسلنا ( تفصيل لمضمون جملة ) ينالهم نصيبهم من الكتاب ( فالوقت الذي أفاده قوله :( إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم ( هو مبدأ وصف نصيبهم من الكتاب حين ينقطع عنهم الإمهال الذي لَقُوه في الدّنيا.
و ) حتى ( ابتدائيّة لأنّ الواقع بعدها جملة فتفيد السّببيّة، فالمعنى : ف ) إذا جاءتهم رسلنا ( إلخ، و ( حَتّى ) الابتدائيه لها صدر الكلام فالغاية التي تدلّ عليها هي غاية مَا يُخبر به المخبر، وليست غايةَ ما يبلغ إليه المعطوف عليه بحتّى، لأنّ ذلك إنّما يُلتزم إذا كانت حتّى عاطفة، ولا تفيد إلاّ السّببيّة كما قال ابن الحاجب فهي لا تفيد أكثر من تسبّب ما قبلها فيما بعدها، قال الرضي ؛ قال المصنف : وإنّما وجب مع الرّفع السّببيّة لأنّ الاتّصال اللّفظي لمَّا زال بسبب الاستئناف شُرِط السّببيّة التي هي موجبة للاتّصال المعنوي، جبراً لما فات من الاتّصال اللّفظي، قال عَمرو بن شَأس :
نذود الملوك عنكُمُ وتذودُنا
ولا صُلْحَ حتّى تَضبَعُونَ ونَضْبَعا
وقد تقدّم بعض هذا عند قوله تعالى :( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة في سورة الأنعام ( ٣١ ) و ( حتّى ) الابتدائيّة تدلّ على أنّ مضمون الكلام الّذي بعدها أهمّ بالاعتناء للإلقاء عند المتكلّم لأنّه أجدى في الغرض المسوق له الكلام، وهذا الكلام الواقع هنا بعد ( حتّى ) فيه تهويلُ ما يصيبهم عند قبض أرواحهم، وهو أدخل في تهديدهم وترويعهم وموعظتهم، من الوعيد المتعارف، وقد هدّد القرآن المشركين