" صفحة رقم ١١٩ "
وهي حال مقدّرة على ظاهر قول النّحويين لأنَّها مستقبلة عن الإنشاء، وعندي أنّ عامل الحال إذا كان ممّا يحصل مَعناه في أزمنة، وكانت الحال مقارنة لبعض أزمنة عاملها، فهي جديرة بأن تكون مقارنة، كما هنا.
( والأُكْل ) بضمّ الهمزة وسكون الكاف لنافع وابن كثير، و بضمّهما قرأه الباقون، هو الشّيء الّذي يؤكل، أي مختلفا مَا يؤكل منه.
وعُطف :( والزيتون والرمان ( على :( جنّاتتٍ... والنّخلَ والزّرعَ ). والمراد شجر الزّيتون وشجر الرمّان. وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى :( وهو الذي أنزل من السّماء ماء الآية في هذه السّورة ( ٩٩ ).
إلاّ أنَّه قال هناك : مُشْتَبِها ( ( الأنعام : ٩٩ ) وقال هنا :( متشابها ( وهما بمعنى واحد لأنّ التّشابه حاصل من جانبين فليست صيغة التّفاعل للمبالغة ألا ترى أنَّهما استويا في قوله :( وغير متشابه ( في الآيتين.
غُيّر أسلوبُ الحكاية عن أحوال المشركين فأُقبل على خطاب المؤمنين بهذه المنّة وهذا الحكم ؛ فهذه الجمل معترضة وهي تعريض بتسفيه أحلام المشركين لتحريمهم على أنفسهم ما مَنّ الله به عليهم.
والثَمَر : بفتح الثّاء والميم وبضمّهما وقرىء بهما كما تقدّم بيانه في نظيرتها.
والأمر للإباحة بقرينة أن الأكل من حقّ الإنسان الّذي لا يجب عليه
" صفحة رقم ١١٩ "
أرواحهم إكمالاً لذكر حال مصيرهم، وتخلّصاً إلى وصف ما ينتظرهم من العذاب ولذكر أحوال غيرهم. وأيَّاً مّا كان فالإتيان بفعل القول، بصيغه الماضي : للتنبيه على تحقيق وقوعه على خلاف مقتضى الظاهر.
ويجوز أن تكون جملة :( قال ادخلوا في أمم ( في موضع عطف البيان لجملة ) ينالهم نصيبهم من الكتاب ( أي : قال الله فيما كتبه لهم ) ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم ( ( الأعراف : ٣٤ ) أي أمثالكم، والتّعبير بفعل المضي جرَى على مقتضى الظّاهر.
والأمم جمع الأمّة بالمعنى الذي تقدّم في قوله :( ولكل أمة أجل ).
و ( في ) من قوله :( في أمم ( للظّرفية المجازيّة، وهي كونهم في حالة واحدة وحكممٍ واحد، سواء دخلوا النّار في وسطهم أم دخلوا قبلهم أو بَعدهم، وهي بمعنى ( مع ) في تفسير المعنى، ونقل عن صاحب ( الكشاف ) أنه نظَّر ( في ) التي في هذه الآية بفي التي في قول عروة بن أذينة :
إنْ تَكُنْ عن حسن الصّنيعة مأفُو
كاً ففي آخرينَ قد أُفِكُوا
ومعنى :( قد خلت ( قد مضت وانقرضت قبلكم، كما في قوله تعالى :( تلك أمة قد خلت في سورة البقرة ( ١٣٤ )، يعني : أنّ حالهم كحال الأمم المكذّبين قبلَهم، وهذا تذكير لهم بما حاق بأولئك الأمم من عذاب الدّنيا كقوله : وتبين لكم كيف فعلنا بهم ( ( إبراهيم : ٤٥ ) وتعريض بالوعيد بأن يحل بهم مثل ذلك، وتصريح بأنّهم في عذاب النّار سواء.


الصفحة التالية
Icon