" صفحة رقم ١٢٠ "
أن يفعله، فالقرينة ظاهرة. والمقصود الردّ على الّذين حجّروا على أنفسِهِم بعض الحرث.
و ) إذا ( مفيدة للتّوقيت لأنها ظرف، أي : حين إثماره، والمقصود من التّقييد بهذا الظّرف إباحة الأكل منه عند ظهوره وقبل حصاده تمهيداً لقوله :( وآتوا حقه يوم حصاده ( أي : كلوا منه قبل أداء حقّه. وهذه رخصة ومنّة، لأنّ العزيمة أن لا يأكلوا إلاّ بعد إعطاء حقّه كيلا يستأثروا بشيء منه على أصحاب الحقّ، إلاّ أنّ الله رخّص للنّاس في الأكل توسعة عليهم أن يأكلوا منه أخضر قبل يبسه لأنَّهم يستطيبونه كذلك، ولذلك عقّبه بقوله :( ولا تسرفوا ( كما سيأتي.
وإفراد الضّميرين في قوله :( من ثمره إذا أثمر ( على اعتبار تأويل المعاد بالمذكور.
والأمر في قوله :( وآتوا حقه يوم حصاده ( خطاب خاصّ بالمؤمنين كما تقدم. وهذا الأمر ظاهر في الوجوب بقرينة تسمية المأمور به حقّاً. وأضيف الحقّ إلى ضمير المذكور لأدنى ملابسة، أي الحقّ الكائن فيه.
وقد أُجمل الحقّ اعتماداً على ما يعرفونه، وهو : حقّ الفقير، والقربى، والضّعفاء، والجيرة. فقد كان العرب، إذا جَذّوا ثمارهم، أعطوا منها من يحضر من المساكين والقرابة. وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى :( فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ( ( القلم : ٢٣، ٢٤ ). فلمّا جاء الإسلام أوجب على المسلمين هذا الحقّ وسمَّاه حقاً كما في قوله تعالى :( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ( ( المعارج : ٢٤، ٢٥ )، وسمّاه الله زكاة في آيات كثيرة ولكنّه أجمل مقداره وأجمل الأنواعَ الّتي فيها الحقّ ووكلهم في ذلك إلى حرصهم على الخير، وكان هذا قبل شرع نصُبُها ومقاديرها. ثمّ شرعت الزّكاة وبيّنت السنّة نصبها ومقاديرها.
" صفحة رقم ١٢٠ "
جملة :( كلما دخلت أمة لعنت أختها ( مستأنفة استئنافاً ابتدائياً، لوصف أحوالهم في النّار، وتفظيعها للسّامع، ليتّعظ أمثالهم ويستبشر المؤمنين بالسّلامة ممّا أصابهم فتكون جملة ) حتى إذا اداركوا ( داخلة في حيز الاستيناف.
ويجوز أن تكون جملة :( كلما دخلت أمة ( معترضة بين جملة :( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ( وبين جملة :( حتى إذا أداركوا فيها ( إلخ. على أن تكون جملة ) حتى إذا اداركوا ( مرتبطة بجملة ) ادخلوا في أمم ( بتقدير محذوف تقديره : فيدخلون حتّى إذا اداركوا.
و ( ما ) في قوله :( كلّما ( ظرفية مصدريّة، أي كلّ وقت دخول أمّة لعنت أختها. والتّقدير : لعنت كلّ أمّة منهم أختها في كلّ أوقات دخول الأمّة منهم، فتفيد عموم الأزمنة.
و ) أمّة ( نكرة وقعت في حيز عموم الأزمنة، فتفيد العموم، أي كلّ أمة دخلت، وكذلك :( أختَها ( نكرة لأنّه مضاف إلى ضمير نكرة فلا يتعرّف فتفيد العموم أيضاً، أي كل أمة تدخل تلعن كل أخت لها، والمراد بأختها المماثِلة لها في الدّين الذي أوجب لها الدّخول في النّار، كما يقال : هذه الأمّة أخت تلك الأمّة إذا اشتركتا في النّسب، فيقال : بَكْر وأختها تغلب، ومنه قول أبي الطبيّب :
وكطَسْم وأُخْتِها في البعاد
يريد : كَطَسم وجَدِيس.
والمقام يعيّن جهة الأخوّة، وسبَبُ اللّعن أنّ كل أمّة إنّما تدخل النّار بعد مناقشة الحساب، والأمر بإدخالهم النّار، وإنّما يقع ذلك بعد أن يتبيّن لهم


الصفحة التالية
Icon