" صفحة رقم ١٢١ "
والحِصاد بكسر الحاء وبفتحها قطع الثّمر والحبّ من أصوله، وهو مصدر على وزننِ الفِعال أو الفَعال. قال سيبويه ( جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزّمان على مثال فِعال وذلك الصِّرام والجِزاز والجِدَاد والقِطاع والحِصاد، وربَّما دخلتتِ اللّغة في بعض هذا ( أي اختلفت اللّغاتُ فقال بعض القبائل حَصاد بفتح الحاء وقال بعضهم حصاد بكسر الحاء ) فكان فيه فعال وفَعال فإذا أرادوا الفعل على فَعَلْت قالوا حَصَدته حَصْداً وقَطَعْته قطعاً إنَّما تريد العمل لا انتهاء الغاية ).
وقرأه نافع، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف بكسر الحاء. وقرأ أبُو عمرو، وعاصم، وابن عامر، ويعقوب بفتح الحاء.
وقد فرضت الزّكاة في ابتداء الإسلام مع فرض الصّلاة، أو بعده بقليل، لأنّ افتراضها ضروري لإقامة أود الفقراء من المسلمين وهم كثيرون في صدر الإسلام، لأنّ الّذين أسلموا قد نبذهم أهلوهم ومواليهم، وجحدوا حقوقهم، واستباحوا أموالهم، فكان من الضّروري أن يسدّ أهل الجدة والقوّة من المسلمين خَلَّتهم. وقد جاء ذكر الزّكاة في آيات كثيرة ممّا نزل بمكّة مثل سورة المزمّل وسورة البيّنة وهي من أوائل سور القرآن، فالزّكاة قرينة الصّلاة. وقول بعض المفسّرين : الزّكاة فرضت بالمدينة، يحمل على ضبط مقاديرها بآية ) خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ( ( التوبة : ١٠٣ ) وهي مدنيَّة، ثمّ تطرّقوا فمنعوا أن يكون المراد بالحقّ هنا الزّكاة، لأنّ هذه السّورة مكّيّة بالاتّفاق، وإنَّما تلك الآية مؤكّدة للوجوب بعد الحلول بالمدينة، ولأنّ المراد منها أخذها من المنافقين أيضاً، وإنَّما ضبطت الزّكاة. ببيان الأنواع المزكاة ومقدار النُّصب والمُخْرَج منه، بالمدينة، فلا ينافي ذلك أن أصل وجوبها في مكّة، وقد حملها مالك على الزّكاة المعيّنة المضبوطة في رواية ابن القاسم
" صفحة رقم ١٢١ "
أنّ ما كانوا عليه من الدّين هو ضلال وباطل، وبذلك تقع في نفوسهم كراهية ما كانوا عليه، لأنّ النّفوس تكره الضّلال والباطل بعد تبيُّنه، ولأنّهم رأوا أن عاقبة ذلك كانت مجلبة العقاب لهم فيزدادون بذلك كراهيّة لدينهم، فإذا دخلوا النّار فرأوا الأمم التي أدخلت النّار قبلهم علموا، بوجه من وجوه العلم، أنّهم أُدخلوا النّار بذلك السّبب فلعنوهم لكراهيّة دينهم ومن اتّبعوه.
وقيل : المراد بأختها أسلافها الذين أضلّوها.
وأفادت ) كلّما ( لما فيها من معنى التّوقيت : أنّ ذلك اللّعن يقع عند دخول الأمّة النّار، فيتعيّن إذن أن يكون التّقدير : لعنت أختها السّابقة إياها في الدّخول في النّار، فالأمّة التي تدخل النّار أوّل مرّة قبل غيرها من الأمم لا تَلْعن أختها، ويعلم أنّها تلعن من يدخل بعدَها الثّانيةَ، ومن بعدها بطريق الأوْلى، أو ترُدّ اللّعن على كلّ أخت لاعنة. والمعنى : كلّما دخلت أمّة منهم بقرينة قوله :( لعنت أختها ).
و ( حتّى ) في قوله :( حتى إذا اداركوا ( ابتدائيّة، فهي جملة مستأنفة وقد تقدّم في الآية قبل هذه أن ( حتّى ) الابتدائيّة تفيد معنى التّسبّب، أي تسبّب مضمون ما قبلها في مضمون ما بعدها، فيجوز أن تكون مترتِبَة في المعنى على مضمون قوله :( قال أدخلوا في أمم قد خلت ( إلخ، ويجوز أن تكون مترتّبة على مضمون قوله :( كلما دخلت أمة لعنت أختها ).
و ) اداركوا ( أصله تَداركوا فقلبت التّاء دَالا ليتأتى إدغامها في الدّال للتّخفيف، وسُكنت ليتحقّق معنى الإدغام المتحركين، لثقل واجتلبت همزة الوصل لأجل الابتداء بالسّاكن، وهذا قلْب ليس بمتعيّن، وإنّما هو مستحسن، وليس هو مثل قلب التّاء في ادّان وازْداد وادّكر : ومعناه : أدرك بعضهم بعضاً، فصيغ من الإدراك وزن التّفاعل، والمعنى : تلاحقوا واجتمعوا في النّار. وقوله :( جميعاً ( حال من ضمير ) اداركوا ( لتحقيق استيعاب الاجتماع، أي حتى إذا اجتمعت أمم الضّلال كلّها.


الصفحة التالية
Icon