" صفحة رقم ١٢٢ "
وابن وهب عنه وهو قول ابن عبّاس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب، وجمع من التّابعين كثير. ولعلّهم يرون الزّكاة فرضت ابتداء بتعيين النّصب والمقادير، وحَملها ابنُ عمر، وابنُ الحنفية، وعليّ بن الحسين، وعطاء، وحمَّاد، وابن جبير، ومجاهد، على غير الزّكاة وجعلوا الأمر للنّدب، وحملها السُدّي، والحسن، وعطيّة العوفي، والنّخعي، وسعيد بن جبير، في رواية عنه، على صدقة واجبة ثمّ نسختها الزّكاة.
وإنَّما أوجب الله الحقّ في الثّمار والحبّ يوم الحصاد : لأنّ الحصاد إنَّما يراد للادّخار وإنَّما يَدّخِر المرء ما يريده للقوت، فالادّخار هو مظنة الغني الموجبة لإعطاء الزّكاة، والحصاد مبدأ تلك المظنة، فالّذي ليست له إلاّ شجرة أو شجرتان فإنَّما يأكلُ ثمرها مخضوراً قبل أن ييبس، فلذلك رخَّصت الشّريعة لصاحب الثّمرة أن يأكل من الثّمر إذا أثمر، ولم توجب عليه إعطاء حقّ الفقراء إلاّ عند الحصاد. ثمّ إنّ حصاد الثّمار، وهو جذاذها، هو قطعها لادّخارها، وأمَّا حصاد الزّرع فهو قطع السّنبل من جذور الزّرع ثمّ يُفرك الحبّ الّذي في السّنبل ليدّخر، فاعتبر ذلك الفرك بقيّة للحصاد. ويظهر من هذا أنّ الحقّ إنَّما وجب فيما يحصد من المذكورات مثل الزّبيب والتَّمر والزّرع والزّيتون، من زيته أو من حبّه، بخلاف الرمّان والفواكه.
وعلى القول المختار : فهذه الآية غير منسوخة، ولكنّها مخصّصة ومبيَّنة بآيات أخرى وبما يبيّنه النَّبيء ( ﷺ ) فلا يُتعلّق بإطلاقها، وعن السدّي أنَّها نسخت بآية الزّكاة يعني :( خذ من أموالهم صدقة ( ( التوبة : ١٠٣ ) وقد كان المتقدّمون يسمّون التّخصيص نسخاً.
وقوله :( ولا تسرفوا ( عطف على ) كلوا (، أي : كلوا غيرَ مسرفين. والإسراف والسّرف : تجاوز الكافي من إرضاء النّفس بالشّيء المشتهى. وتقدّم
" صفحة رقم ١٢٢ "
والمراد : ب ) أخراهم ( : الآخِرة في الرّتبة، وهم الأتباع والرّعيّة من كلّ أمّة من تلك الأمم، لأنّ كلّ أمّة في عصر لا تخلو من قادة ورَعاع، والمراد بالأولى : الأولى في المرتبة والاعتبار، وهم القادة والمتبوعون من كلّ أمّة أيضاً، فالأخرى والأولى هنا صفتان جرتا على موصوفَين محذوفين، أي أخرى الطّوائف لأولاهم، وقيل : أريد بالأخرى المتأخّرة في الزّمان، وبالأولى أسلافهم، لأنّهم يقولون :( إنّا وجدنا آباءنا على أمة ( ( الزخرف : ٢٣ ). وهذا لا يلائم ما يأتي بعده.
واللاّم في :( لأولاَهم ( لام العلّة، وليست اللاّم التي يتعدّى بها فعل القَول، لأنّ قول الطائفة الأخيرة موجَّه إلى الله تعالى، بصريح قولهم :( ربنا هؤلاء أضلونا ( إلخ، لا إلى الطّائفة الأولى، فهي كاللاّم في قوله تعالى :( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه ( ( الأحقاف : ١١ ).
والضعف بكسر الضّاد المِثْل لمقدار الشّيء، وهو من الألفاظ الدّالة على معنى نسبي يقتضي وجودَ معنى آخر، كالزّوج والنِّصف، ويختص بالمقدار والعدد، هذا قول أبي عبيدة والزّجاج وأيمّة اللّغة، وقد يستعمل فعله في مطلق التّكثير وذلك إذا أسند إلى ما لا يدخل تحت المقدار، مثل العذاب في قوله تعالى :( يُضَاعَفْ له العذاب يوم القيامة ( ( الفرقان : ٦٩ ) وقوله ) يضاعف لها العذاب ضعفين ( ( الأحزاب : ٣٠ ) أراد الكثرة القويّة فقولهم هنا ) فآتهم عذاباً ضعفا ( أي أعطهم عذاباً هو ضِعف عذاببٍ آخر، فعُلم أنّه، آتاهم عذاباً، وهم سألوا زيادة قوّة فيه تبلغ ما يعادل قوّته، ولذلك لما وصف بضعف علم أنّه مِثْلٌ لعذاببٍ حصل قبله إذ لا تقول : أكرمت فلان ضِعفاً، إلاّ إذا كان إكرامك في مقابلة إكراممٍ آخر، فأنت تزيده، فهم سألوا لهم مضاعفة العذاب لأنّهم علموا أنّ الضّلال سبب العذاب، فعلموا أنّ الذين شرعوا الضّلال هم أولى بعقوبة أشدّ من عقوبة الذين تقلّدوه واتبعوهم، كما