" صفحة رقم ١٢٥ "
للحمولة وللفرش لأنَّه أوسع معاني ( مِن ). والمجرور : إمَّا متعلّق ب ) أنشأ ( ( الأنعام : ١٤١ )، وإمَّا حال من ) حمولة ( أصلها صفة فلمّا قدمت تحوّلت.
وأيًّا ما كان فتقديم المجرور على المفعول الّذي هو أولى بالتّقديم في ترتيب المتعلّقات، أو تقديمُ الصّفة على الموصوف، لقصد الاهتمام بأمر الأنعام، لأنَّها المقصود الأصلي من سياق الكلام، وهو إبطال تحريم بعضها، وإبطالُ جعل نصيب منها للأصنام، وأمَّا الحمل والفَرْش فذلك امتنان أُدمج في المقصود توفيراً للأغراض، ولأنّ للامتنان بذلك أثراً واضحاً في إبطال تحريم بعضها الّذي هو تضييق في المنّة ونبذ للنّعمة، وليتمّ الإيجاز إذ يغني عن أن يقول : وأنشأ لكم الأنعام وأنشأ منها حمولة وفرشاً، كما سيأتي.
والأنعام : الإبل، والبقر، والشّاء، والمعز، وقد تقدّم في صدر سورة العقود، والحمولة بفتح الحاء ما يحمل عليه المتاع أو النّاس يقال : حمل المتاع وحمل فلاناً، قال تعالى :( إذا ما أتَوْك لتحملهم ( ( التوبة : ٩٢ ) ويلزمها التّأنيث، والإفراد مثل ( صَرورة ) للّذي لم يحجّ يقال : امرأة صَرورة ورجل صّرورة.
والفرش : اختلف في تفسيره في هذه الآية. فقيل : الفرش ما لا يُطيق الحَمل من الإبل أي فهو يركب كما يُفرش الفَرش، وهذا قول الراغب. وقيل : الفَرش الصّغار من الإبل أو من الأنعام كلّها، لأنَّها قريبة من الأرض فهي كالفرش، وقيل : الفرش ما يذبح لأنّه يفرش على الأرض حين الذبح أو بعده، أي فهو الضان والمعز والبقر لأنَّها تذبح. وفي ( اللّسان ) عن أبي إسحاق : أجمع أهل اللّغة على أنّ الفرش هو صغار الإبل.
زاد في ( الكشاف ) :( أو الفَرْش : ما يُنْسَج من وبره وصوفه وشَعْره الفرْش ) يريد أنه كما قال تعالى :( ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها
" صفحة رقم ١٢٥ "
يجوز أن يكون قوله :( فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ( من كلام الله تعالى، مخاطباً به كلا الفريقين، فيكون عطفاً على قوله :( لكل ضعف ولكن لا تعلمون ( ويكون قوله :( وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ( جملة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين، وعلى اعتباره يكون الأمر في قوله :( فذوقوا ( للتكوين والإهانة.
وفيما قصّ الله من محاورة قادة الأمم وأتباعهم ما فيه موعظة وتحذير لقادة المسلمين من الإيقاع بأتباعهم فيما يَزِجّ بهم في الضّلالة، ويحسِّن لهم هواهم، وموعظة لعامتهم من الاسترسال في تأييد من يشايع هواهم، ولا يبلغهم النّصيحة، وفي الحديث :( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ).
٤٠، ٤١ ) ) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذاَلِكَ نَجْزِى الْمُجْرِمِينَ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذاَلِكَ نَجْزِى الظَّالِمِينَ ).
استئناف ابتدائي مسوق لتحقيق خلود الفريقين في النّار، الواقععِ في قوله :( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( ( الأعراف : ٣٦ ) فأخبر الله بأنّه حرمهم أسباب النّجاة، فَسَدّ عليهم أبواب الخير والصّلاح، وبأنّه حرّمهم من دخول الجنّة.
وأكّد الخبر ب ) إنّ ( لتأييسهم من دخول الجنّة، لدفع توهّم أن يكون المراد من الخلود المتقدّم ذكرُه الكنايةَ عن طول مدّة البقاء في النّار فإنّه ورد في مواضع كثيرة مراداً به هذا المعنى.


الصفحة التالية
Icon